دلدار بدرخان
دائماً ما يتناهي إلى مسامعنا مقولة أن العرب السنة في سوريا قدموا مليون شهيد، وتعرضوا للقتل والتنكيل، وهُجّر الملايين منهم، ودُمّرت بيوتهم وأحياؤهم، وسُفكت دماؤهم في ساحات كثيرة من الوطن .
لكن يبرز هنا سؤال مهم لا بد من التوقف عنده:
هل اقتصرت المأساة السورية على العرب السنة وحدهم، أم أن نيران الحرب وبراميل الاسد لم تميز بين طائفة وأخرى، أو بين قومية وأخرى؟
ألم تطل آلة القتل جميع مكونات الشعب السوري؟
ألم تسقط البراميل المتفجرة على الأحياء الكُردية والدرزية والمسيحية، وحتى معاقل العلويين أنفسهم في حمص وحماه وغيرها أيضاً؟
ألم يُقتل أيضاً أبناء الكُرد ومعهم أبناء الطائفة الدرزية وباقي الطوائف والقوميات على مقصلة الثورة والتغيير، وكانوا من اوائل من رفعوا راية الثورة بعد سماع ندائها ؟
ألم يُهجّر مئات الآلاف من الكُرد من مناطقهم ومدنهم ، وطُمس هويتهم، ونُسف قراهم، شأنهم شأن غيرهم من السوريين؟ وربما أكثر إذا ما اخذنا نسبتهم المئوية في سوريا وقارناها مع بقية السوريين كالعرب السنة مثلاً .
ألم يسقط من المسيحيين ضحايا كُثر في حمص وحلب والقلمون وغيرها، بسبب قذائف لا تسأل عن دين أو مذهب أو قومية؟
ألم يقتل من أبناء الطائفة العلوية شباب زُجّوا في أتون المعارك، وقُطّعوا على الجبهات باسم الدفاع عن الوطن، حيث انساقوا خلف شعارات كاذبة رفعتها السلطة الاجرامية، وتم غسل ادمغتهم وانغروا بالشعارات والاضاليل، فظنوا أنهم يدافعون عن الوطن، بينما كانوا يُستخدمون وقوداً لحرب لا تخدمهم.
فالألم السوري لم يكن حكراً على مكوّن بعينه، بل توزع على الجسد السوري كله، وتمزق الوطن كما تمزقت قلوب أمهات الضحايا في كل بيت.
وإن كانت نسبة كبيرة من العرب السنة قد دفعت ثمناً باهظاً من أرواحها وممتلكاتها، نظراً لأن تعدادهم اكثر من بقية القوميات والطوائف في سوريا، إلا أن هذا لا ينفي أن الجرح السوري قد شمل الجميع، وأن آلة العنف لم تفرق بين مذهب وآخر وبين قومية وأخرى، بل استهدفت الإنسان السوري في جوهره أينما وجد وكيفما وجد.
لذلك من الواجب أن نتحدث عن المأساة السورية بروح شاملة لا تجزئ الألم ولا تحصر الشهادة في طائفة أو عرق، وإنما تعترف بأن الدم السوري كله نزف، وأن الخسارة مشتركة، وأن المستقبل لا يبنى إلا إذا اعترفنا أن الظلم وقع على الجميع خلال اربع عشرة سنة من عمر الثورة، وأن طريق العدالة يبدأ من الحقيقة لا من التمييز.