العرب السنة قدموا مليون شهيد…!!!

دلدار بدرخان

دائماً ما يتناهي إلى مسامعنا مقولة أن العرب السنة في سوريا قدموا مليون شهيد، وتعرضوا للقتل والتنكيل، وهُجّر الملايين منهم، ودُمّرت بيوتهم وأحياؤهم، وسُفكت دماؤهم في ساحات كثيرة من الوطن .

لكن يبرز هنا سؤال مهم لا بد من التوقف عنده:
هل اقتصرت المأساة السورية على العرب السنة وحدهم، أم أن نيران الحرب وبراميل الاسد لم تميز بين طائفة وأخرى، أو بين قومية وأخرى؟

ألم تطل آلة القتل جميع مكونات الشعب السوري؟
ألم تسقط البراميل المتفجرة على الأحياء الكُردية والدرزية والمسيحية، وحتى معاقل العلويين أنفسهم في حمص وحماه وغيرها أيضاً؟
ألم يُقتل أيضاً أبناء الكُرد ومعهم أبناء الطائفة الدرزية وباقي الطوائف والقوميات على مقصلة الثورة والتغيير، وكانوا من اوائل من رفعوا راية الثورة بعد سماع ندائها ؟

ألم يُهجّر مئات الآلاف من الكُرد من مناطقهم ومدنهم ، وطُمس هويتهم، ونُسف قراهم، شأنهم شأن غيرهم من السوريين؟ وربما أكثر إذا ما اخذنا نسبتهم المئوية في سوريا وقارناها مع بقية السوريين كالعرب السنة مثلاً .

ألم يسقط من المسيحيين ضحايا كُثر في حمص وحلب والقلمون وغيرها، بسبب قذائف لا تسأل عن دين أو مذهب أو قومية؟

ألم يقتل من أبناء الطائفة العلوية شباب زُجّوا في أتون المعارك، وقُطّعوا على الجبهات باسم الدفاع عن الوطن، حيث انساقوا خلف شعارات كاذبة رفعتها السلطة الاجرامية، وتم غسل ادمغتهم وانغروا بالشعارات والاضاليل، فظنوا أنهم يدافعون عن الوطن، بينما كانوا يُستخدمون وقوداً لحرب لا تخدمهم.

فالألم السوري لم يكن حكراً على مكوّن بعينه، بل توزع على الجسد السوري كله، وتمزق الوطن كما تمزقت قلوب أمهات الضحايا في كل بيت.

وإن كانت نسبة كبيرة من العرب السنة قد دفعت ثمناً باهظاً من أرواحها وممتلكاتها، نظراً لأن تعدادهم اكثر من بقية القوميات والطوائف في سوريا، إلا أن هذا لا ينفي أن الجرح السوري قد شمل الجميع، وأن آلة العنف لم تفرق بين مذهب وآخر وبين قومية وأخرى، بل استهدفت الإنسان السوري في جوهره أينما وجد وكيفما وجد.

لذلك من الواجب أن نتحدث عن المأساة السورية بروح شاملة لا تجزئ الألم ولا تحصر الشهادة في طائفة أو عرق، وإنما تعترف بأن الدم السوري كله نزف، وأن الخسارة مشتركة، وأن المستقبل لا يبنى إلا إذا اعترفنا أن الظلم وقع على الجميع خلال اربع عشرة سنة من عمر الثورة، وأن طريق العدالة يبدأ من الحقيقة لا من التمييز.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…