صديق شرنخي
منذ 2017، بدا أن إدارة دونالد ترامب تعتمد على شبكات من المقربين، أبرزهم توماس باراك، للتأثير على سياسة الشرق الأوسط. باراك، رجل الأعمال الأمريكي من أصول لبنانية، ترأس لجنة تنصيب ترامب وكان وسيطًا غير رسمي بين الإدارة الأمريكية والعواصم الخليجية والعربية. رغم علاقاته، لم ينجح في صياغة سياسة مبتكرة تجاه سوريا، وخاصة منطقة روجافا (شمال شرق سوريا)، التي كانت تعتمد على الوجود الأمريكي لحماية حكمها الذاتي.
– فشل باراك في الملف السوري
لم يكن باراك قط جزءًا من البوصلة الرسمية لصنع القرار تجاه سوريا، بل كان “شبكة نفوذ خلف الكواليس”، ولم يمتلك صلاحيات رسمية. فشله كان واضحًا حين لم يتمكن من منع الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية عام 2019، بعد مكالمة تلفونية واحدة من أردوغان لترامب. هذا القرار قوّض ثقة الأكراد في الحماية الأمريكية بشكل جذري، وتركهم في مواجهة تركية مباشرة، إضافة لسلوك متردد من دمشق وطهران .
القضية لم تتوقف عند ذلك، بل بلغ فشل باراك الذروة حين وُجّهت إليه اتهامات بالعمل كوكيل غير مسجل لحكومة الإمارات للتأثير على سياسة ترامب، رغم تبرئته لاحقًا، فإن مدى تأثيره السياسي بقي محدودًا، تجاوزته الأحداث على الأرض بسرعة.
– أحداث السويداء: عنف طائفي وتكسير هشاشة الدولة المركزية
منذ مطلع يوليو 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في محافظة السويداء بين فصائل درزية ومليشيات بدوية سنية، أسفرت عن مقتل أكثر من 1,000 شخص وتعرض آلاف للنزوح . الجيش السوري، تحت قيادة الرئيس المؤقت أحمد الشــراء، تدخّل في البداية بقوة، وسط اتهامات بانتهاكات بحق المدنيين، ثم أعلن انسحابًا جزئيًا إثر وساطة أمريكية وإقليمية .
إسرائيل، معلنةً ذريعة حماية الطائفة الدرزية القريبة منها، شنّت ضربات جوية استهدفت مقرات عسكرية في دمشق، ما أثار انتقادات من الولايات المتحدة التي أكدت أنها لا تدعم الغارات، لكنها طالبت بمحاسبة النظام السوري .
الفعل الأمني امتد إلى إعلان تشكيل المجلس العسكري في السويداء في فبراير–مارس 2025، بمشاركة فصائل محلية هدفها حماية المحافظة، وتضمنت تجهيزات أمنية للدفاع الذاتي، وسط تحذيرات من انقسام داخلي داخل الطائفة الدرزية حول العلاقة مع دمشق .
– السياق الاحتجاجي والسياسي في السويداء
منذ أغسطس 2023، يواصل أهل السويداء تظاهرات أسبوعية ضد النظام السابق (وبعده ضد السلطة الانتقالية الحالية)، مطالِبين بحقوق، بعدالة انتقالية، وتحقيق مطالبهم الاقتصادية، بعيدًا عن مشاريع الانفصال أو التقسيم . دعا المحتجون إلى دولة مدنية تضمن تمثيل الطوائف، بعيدًا عن الاستقطاب الطائفي .
لكن التفجيرات التي تعرّضت لها مواقع في الريف (مثل الهجمات التي شنّها داعش في ريف السويداء خلال مايو 2025)، وأعمال العنف المتتالية، أظهرت هشاشة السيطرة الأمنية للنظام وغياب الردع الحقيقي على المدى القريب .
– اما تأثير أحداث السويداء على المستقبل الكردي في روجافا
من المنظور الجيوسياسي،
ما يحدث في السويداء يعكس تحولات خطيرة تصب بشكل غير مباشر في خانة هشاشة الترتيبات القائمة في شمال شرق سوريا (روجافا):
- تراجع الدعم الأمريكي: باراك فشل في حماية مصالح الأكراد، واليوم الولايات المتحدة تركز على تهدئة دروزية–بدوية، وتعتبر أن “لا خطة بديلة” سوى دعم النظام المركز، كما عبر عن ذلك المبعوث الأمريكي توم باراك نفسه في مقابلة حديثة في 21 يوليو 2025 .
- تعزيز دمشق للمفاوضات مع الأكراد: الحكومة الجديدة تحاول دمج كتائب قسد في الجيش الوطني كجزء من استراتيجية لفرض وحدة الدولة، لكن بنية الإدارة الذاتية قد تتهاوى ضمن هذه الترتيبات.
- اضمحلال نموذج الحكم الذاتي: إذا استمر النظام في فرض السيطرة محليًا بخطوات تدريجية (كما فعل في السويداء عبر الموافقات على تشكيل مجالس محلية)، فقد يكون نموذج روجافا القادم بالحكم الذاتي مهددًا بنفس السيناريو، خصوصًا في ظل غياب الدعم الخارجي الفعّال.
- صراع على الهوية: السويداء أظهرت أن مطالب الحوكمة المدنية والخلاص من الطائفية يمكن أن تتحول إلى قوة ضغط داخلي؛ وهي مطالب مماثلة لتلك التي يُطرحها الكرد في روجافا، مما قد يؤجج التوترات في حال تعامل النظام مع كل طرف بمنطق “تفكيك جهوي” وليس شراكة حقيقية.
الخلاصة:
فشل توماس باراك في الملف السوري – كرمز لنموذج التأثير غير الرسمي الذي اعتمدته إدارة ترامب – يُظهر عجز تلك السياسة في تحقيق استقرار أو حماية للمناطق الحدودية. وما تشهده السويداء الآن من عنف وطائفي وتوتر بين النظام والمجتمع المدني، يضع الأسس أمام نهج مشتق مفاده: “ضرب الحكم الذاتي تصاعديًا”، إن لم يتم تسوية حقيقية شاملة.
بالنسبة لكرد روجافا، فإن احتمالية التوصل إلى اتفاق تكاملي مع دمشق باتت تتمحور حول قدرتهم على الحفاظ على استقلالية رمزية في ظل هذه التوترات، وإلا فإن سيناريو “دمشق أولاً” قد يلتهم مكتسباتهم تدريجيًا مثلما حدث في السويداء للأكراد دروزيًا.
ختامًا: يمثل فشل باراك نقطة محورية في فهم السياسة الترامبية النسبيّة، وإن كانت شخصية هامشية في القرار الرسمي، فإن فشلها انعكس على مسارات جغرافية حساسة كبقائها في منطقة روجافا. أحداث السويداء، رغم بعدها الطائفي، تُعزّز رسالة مفادها: النظام السوري يسعى إلى توحيد السلطة بأي ثمن، بينما العديد من القوى المحلية (سواء دروزًا أو أكرادًا) يجدون أنفسهم محاصرين بين المشروع الأمني المركزي ومطالب الإنجاز المدني.
المصادر:
القتل والاشتباكات في السويداء:
الدور الأمريكي وبراك:
تشكيل المجلس العسكري في السويداء:
احتجاجات السويداء:
هجمات داعش على السويداء: