صلاح عمر
في كل مرة تلوح في الأفق بارقة أمل لشعبنا السوري، يأتي من يسكب الزيت على النار، كأنهم لا يطيقون لسوريا أن تنهض، ولا يرغبون أن يرى أبناؤها وطنًا يتسع للجميع. ما نشهده في السويداء، من أحداث دامية وتجييش طائفي سافر، لا يُقرأ على أنه حادث عابر، بل إنذار حقيقي بأن البلاد على شفا هاوية، وأن ألسنة الفتنة حين تندلع، لا تعود تعرف طريق الرجوع.
إن التجييش والتحريض على الكراهية والعنف، سواء عبر وسائل الإعلام، أو على منصات التواصل الاجتماعي، أو من خلال الخطاب السياسي والفزعات العشائرية، ليس مجرد انفعال لحظي. إنه فعل مدروس له عواقب وخيمة، يزرع الغل في النفوس، ويحوّل شركاء الأرض والمصير إلى أعداء وهميين. الكلمة التي تُقال في ساعة غضب، أو الهتاف الذي يُطلق من منبر حاقد، لا يموتان بنهاية اللحظة، بل يُغرسان في ذاكرة الشعوب، ويتحولان إلى وقودٍ لحروبٍ قد تندلع بعد سنوات.
في ظل هذا المشهد، نُذكّر – لا دفاعًا بل توضيحًا – أن الكرد لم يدخلوا في تحالفات مشبوهة مع خصوم شعبهم، بل وجدوا أنفسهم في خط الدفاع الأول ضد وحش الإرهاب، حين كان تنظيم داعش يجتاح المدن والقرى، ولم يكن في الميدان سوى أبناء روج آفاي كردستان يقاتلون نيابة عن العالم. الكرد، في كل معاركهم، لم يكونوا دعاة حرب، بل أُجبروا على حمل السلاح دفاعًا عن وجودهم، ضد داعش أولًا، ثم ضد فصائل متحالفة مع أنقرة، هدفها الأساسي تفريغ الشمال الكردي من شعبه. ومع كل ذلك، لم يسقط الكرد في فخ الطائفية، بل ظلوا ينادون بالحوار وبناء المشترك الوطني، دون أن يتخلوا عن اليقظة والاستعداد لكل طارئ.
ما يثير القلق اليوم هو صمت بعض القوى، وتواطؤ أخرى، مع خطاب يهدد وحدة سوريا وأمن مكوناتها. ما يُنشر من بيانات وتصريحات صادرة عن أطراف داخل “الحكومة السورية المؤقتة”، لا يعبّر عن مشروع وطني، بل يهدد بمشروع احتراب داخلي شامل. حين تُوجَّه دعوات للزحف العشائري نحو السويداء لمحاربة الدروز، فإن هذه ليست دعوة لحسم نزاع محلي، بل محاولة لجر البلاد نحو حرب أهلية شاملة. الرئيس المؤقت أحمد الشرع، وكل من يقف خلف هذا التحريض، مطالبون بوقف هذه المهزلة فورًا. لأن من يشعل نار الفتنة لن يكون بمنأى عن لهبها.
ما يحدث في السويداء، وقبله في مناطق الساحل السوري، وما يمكن أن يمتد نحو شمال وشرق سوريا، ليس سوى نتيجة لعقود من الإنكار والتمييز، لكن استمراره اليوم يعني أننا جميعًا نعيد إنتاج الخراب. الحل لا يكون برد الكراهية بالكراهية، ولا بالاحتراب، بل بميثاق جديد يعترف بسوريا كما هي، فسيفساء من القوميات والأديان والمذاهب، في ظل نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي، تضمن فيه كل المكونات حقوقها دون وصاية ولا إقصاء.
الكرد، وهم يشهدون هذا التدهور الخطير، مطالبون أكثر من أي وقت مضى بتعزيز جبهتهم الداخلية، وتجاوز خلافاتهم، والاستعداد لكل الاحتمالات دون التفريط بخيار الحوار. لا مكان للفرقة بعد اليوم، ولا وقت للترف السياسي. وحدتنا ضمانة بقائنا، وحوارنا هو بوابة سلامنا، لكن دون أن نغفل عن أن اليد التي تُمد للسلام، يجب أن تبقى ممسكة بالسلاح، لا رغبةً في القتال، بل كشرط لحماية كرامةٍ دُفع ثمنها غالياً.
لنُسارع إلى إطفاء نار الفتنة قبل أن تأتي على ما تبقّى من أمل. الكلمة مسؤولية، والسكوت خيانة. فلنتكلم بلغة الوعي لا الغرائز، بلغة العقل لا الفزعات، بلغة الوطن لا الانتماءات الضيقة. فمن لا يخاف على مصير سوريا، لا يستحق أن يتحدث باسمها.