البارزاني: مرجعية ومفتاح حلّ القضية الكردية.. رؤية في المواقف الدولية من المسألة الكردية في سوريا

محمد حمو

تُعدّ مسألة منح الكرد في سوريا كيانًا سياسيًا بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) أو قوات سوريا الديمقراطية (SDF) من أكثر القضايا تعقيدًا وتشابكًا في المشهد الإقليمي، فعلى الرغم من امتلاك هذه القوى لوزن عسكري وتنظيمي معتبر على الأرض، إلاَّ أن ارتباطها السياسي والأيديولوجي بحزب العمال الكردستاني (PKK) يضعها في دائرة الارتياب الدولي، لا سيما لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الجذور الإيديولوجية… عقبة أمام الشرعية الدولية

تعود جذور الأزمة إلى الخلفية الفكرية لحزب العمال الكردستاني، الذي نشأ كتنظيم ماركسي راديكالي مناهض للأنظمة الرأسمالية، ورغم التحولات التي طرأت على خطابه في السنوات الأخيرة، ما تزال هذه الجذور تُلقي بظلالها الثقيلة على امتداداته في سوريا مثل الـPYD والـSDF، مما يدفع كثيرًا من العواصم الغربية إلى التشكيك في نوايا هذه الكيانات وتوجّهاتها المستقبلية، وبهذا، فإن أي مشروع سياسي كردي في سوريا بقيادة هذه الأطراف سيواجه على الأرجح صعوبات جمة في نيل الاعتراف الدولي.

غياب الشريك الكردي الموثوق

حتى الآن، لا توجد جهة كردية سورية تحظى بثقة الدول الفاعلة في الملف السوري يمكن اعتبارها مرجعية سياسية معترف بها دوليًا، ولذا، عند كل منعطف سياسي يخص القضية الكردية في سوريا أو حتى تركيا، تتجه الأنظار تلقائيًا إلى شخصية السيد مسعود بارزاني، باعتباره الشريك الكردي الأوثق لدى الغرب، ومرجعية سياسية متزنة وذات حضور إقليمي.

تجربة مام جلال… درس في فهم العقل الأميركي

في عام 2004، زرتُ مع أربعة من أصدقاء مام جلال طالباني (وهم من كرد سوريا) بالرئيس العراقي الراحل جلال طالباني في مقر إقامته بدوكان. وخلال الحديث، سأله أحد أصدقائه: لماذا لم تُعلنوا استقلال كردستان بعد سقوط نظام صدام؟ فأجاب مام جلال قائلاً: “هذه ليست من مهامي، بل من مهام كاك مسعود بارزاني.”

ثم أوضح أن واشنطن لم تكن تثق بحزبه (الاتحاد الوطني الكردستاني) بسبب خلفيته اليسارية، وأضاف أنه خلال زيارته إلى الولايات المتحدة عام 1998، التي استمرت 45 يومًا، لم تُستجب دعواته لإسقاط صدام حسين، بسبب أمرين: انتمائه الأيديولوجي، وخلافاته مع بارزاني، لكن عندما أبدى استعداده للصلح مع الأخير، تدخلت وزيرة الخارجية الأميركية حينها، مادلين أولبرايت، ورتّبت لقاء المصالحة في واشنطن، وقد شكّل هذا التحول لحظة فارقة في الموقف الأميركي من المشروع الكردي في العراق.

البارزاني… مفتاح القبول الدولي

تُظهر هذه القصة بوضوح أن شخصية مسعود بارزاني تمثل بوابة الثقة الكردية في عيون الغرب، ومن هنا، فإن أي مشروع كردي يسعى إلى القبول والدعم الدولي، لا بد أن يمر عبر “البوابة البارزانية، وقد لخّص طالباني هذه الحقيقة بقوله: “إذا رأيتم كردستان تصبح دولة يومًا، فاعلموا أن المفتاح في أيدي البارزانيين”.

ما يعني أن مستقبل الكرد في سوريا لن يُرسم فقط في ميدان المعارك أو عبر التحالفات العسكرية، بل من خلال بناء مرجعية سياسية تحظى بثقة المجتمع الدولي، وفي هذا الإطار، تبقى شخصية مسعود بارزاني هي الأكثر قبولًا واحترامًا، كرمز للتوازن السياسي، وصاحب النفوذ الواقعي في المعادلة الكردية الإقليمية، والضامن المحتمل لأي مشروع كردي يسعى للاعتراف الدولي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…