الإكتفاء بالقول أن هذه القومية أو الطائفة من النسيج الوطني السوري لوحده .. لا يكفي 

شادي حاجي 
  بداية وقبل الخوض في الموضوع لابد أن نوضُح أن الأوطان لا تبنى باستخدام قانون القوة ومحاربة المكونات السورية عن طريق تطبيق المقاطعة الإقتصادية ( محافظة السويداء بعد الأحداث الأخيرة .. نموذجاً ) لمجرّد أن كلّ مكون من هذه المكونات المختلفة يطالب الاعتراف بخصوصيته القومية أو الطائفية أو الدينية والشراكة في المؤسسات الحكومية المختلفة، ولا من خلال مقولة مَن يحرّر يقرّر لتكون ذريعة لإقصاء الممثلين الحقيقيين للمكونات السورية ولا تبنى بالإكتفاء بمجرد القول أن الكرد أو الدروز أو العلويين أو المسيحيين ( الأرمن والسريان والكلدو آشوريين ) أو المكونات الأخرى هم إخوتنا وأهلنا وشركاؤنا وجزءٌ أصيلٌ من النسيج الوطني السوري.
 لا شك أن هذا القول هو اعتراف أن سوريا بلد متعدد القوميات والطوائف والأديان واعتراف بأهمية وجود دور لتلك المكونات في تاريخ وحاضر الدولة السورية، وهذا الكلام لايعدو سوى اعتراف اجتماعي وثقافي أو سياسي معنوي عام لايمنح حقوقاً واضحة أو حماية قانونية.
لكن هذا وحده لايكفي . نعم، لا يكفي :
إن هذا القول الذي يتكرّر في خطابات رئيس سلطة الأمر الواقع في دمشق لم يترتب عليه شراكة فعلية في السلطة أو في الثروات، أو في صنع القرار منذ أن سقط نظام بشار الأسد وسيطرة (هيئة تحرير الشام) على السلطة في دمشق وتكرار هذا القول لا يعني بالضرورة اعترافاً دستورياً صريحاً  ولا يمكن للقادة وصنّاع القرار الاكتفاء بالقول في مثل هذه القضايا المصيرية التي تمسُّ مستقبل الوطن، لذلك ينبغي أن يكون له آثار سياسية وقانونية مهمة وجوهرية، ويتطلب بالضرورة ترجمة ذلك الاعتراف والإقرار إلى نصوص قانونية أو دستورية واضحة تعكس الواقع، وإلا فإن الوضع قد يبقى شكلياً أو رمزياً فقط، ولن يؤدي حسم هذه القضايا المصيرية بالنسبة للمكونات السورية وسوريا ككل وكدولة.
الاعتراف بهذه المكونات كجزء من النسيج الوطني السوري يتطلب ضمان حقهم في المشاركة الكاملة في الحياة السياسية ( نظام شراكة حقيقي سياسي، إداري، اقتصادي) من خلال مشاركة ممثليهم السياسيين الحقيقيين في المؤتمرات الوطنية وكتابة الدستور، وليس من خلال انتقاء بعض الشخصيات الذين لايمثلون حتى عائلاتهم من هذا المكوّن أو ذاك بالإضافة إلى حق الانتخاب والترشُّح للمناصب العامة كما يضمن لهم تمثيلًا عادلاً في البرلمان ومختلف المؤسسات الحكومية ويحمي ثقافتهم ولغتهم وإدارة مناطقهم وفق نظام فيدرالي، وهذا ما سيمهد الطريق لمزيد من التعاون والتكامل بين جميع مكونات المجتمع السوري.
هنا لنأخذ الآثار المترتبة على الاعتراف والإقرار بأن الكرد جزءٌ من النسيج الوطني السوري.. نموذجاً
من أهم هذه الآثار هي ضمان الحقوق السياسية ( التمثيل العادل في البرلمان ومختلف المؤسسات الحكومية والمناصب العامة وحتى السيادية منها وفق شروط ومبادئ المواطنة المتساوية وو..نموذجاً ) والحقوق الثقافية واللغوية التي تتضمن الحفاظ على الثقافة واللغة وتعزيزهما بما في ذلك الحق في التعليم باللغة الكردية واعتبارها لغة رسمية في الدولة السورية وإنشاء المؤسسات الثقافية الخاصة بهم إلى جانب التمتع بكافة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي يتمتع بها المواطنون السوريون الآخرون مثل الحق في العمل والتعليم والرعاية الصحية، وهذا سيساهم في تحقيق المصالحة الوطنية بين جميع مكوّنات الشعب السوري ويعزز الوحدة الوطنية وسيؤدي إلى الاستقرار السياسي الحقيقي وليس الاستقرار المزيف الذي كان النظام الساقط يتبجح به في الاعلام وأمام دول العالم. ولاشك أنه سينهي التوترات السياسية والتدخلات الاقليمية والدولية في البلاد.
إن تحقيق كل ماذكر أعلاه من حقوق واعتراف وإقرار دستوري يتطلب المشاركة الفعالة من قبل ممثلي الكرد والمكونات الأخرى في تعديل الإعلان الدستوري المؤقت ليشمل الدستور رسميًا الضمانات القانونية لحماية حقوق الكرد والمكونات الأخرى ومنع أي تمييز ضدهم ومساواتهم جميعاً أمام القانون كمواطنين سوريين، وهذا ما سيشكل خطوة نحو تحقيق العدالة والمساواة، ويمثل أساساً لبناء سوريا ديمقراطية مستقرة من خلال نشر ثقافة التسامح والاحترام بين مختلف القوميات والطوائف والأديان الذي يمكن أن تساهم في بناء مجتمع متماسك، وهذا يتطلب جهوداً متعددة الأوجه تشمل السياسة والتعليم والإعلام الهادف والتعاون المجتمعي وليس من خلال الخطاب المُحَرض على الكراهية الذي يستهدف الكرد والدروز والعلويين والمسيحيين ومكونات أخرى الذي يغذي التمييز والعنف وشيطنة وتخوين المكوّنات السورية الوطنية.
هل من مجيب؟
وإلى مستقبل أفضل.
المانيا في 17/7/2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين المجتمع الأمريكي من اكثر المجتمعات بالعالم تنوعا من النواحي العرقية ، والثقافية ، والجنسية ، فبخلاف اهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين عاشوا الحياة البدائية لقرون غابرة ، والذين انقرضوا بمرور الزمن ، هناك مئات الملايين من مهاجرين من عشرات الانتماءات القومية ، والثقافية لشعوب أوروبا ، وافريقيا ، وآسيا ، وامريكا اللاتينية ، وأستراليا تعاقدوا منذ…

زاكروس عثمان في النقاشات السياسية المتصلة بسوريا، يبرز خطاب إعلامي موجَّه يعتمد على مغالطات لغوية – سياسية تُستخدم لترسيخ رواية السلفية–التكفيرية حول “الدولة الواحدة” و“هيمنة الأغلبية”. ومن أخطر هذه المغالطات ما جاء به الإعلامي السوري فيصل القاسم في مقاله المنشور في صحيفة القدس العربي يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 بعنوان: «متى حكمت الأقليات في الديمقراطيات؟». يبدأ القاسم مقاله بهجوم حاد…

د. محمود عباس من أخطر الظواهر التي تعيد إنتاج عصور الجهل والظلام في واقعنا السوري الراهن، تلك الموجة المسعورة التي تستهدف المفكرين والكتّاب الأحرار، ومن بينهم الكاتب الكوردي (هوشنك أوسي) وسائر الأقلام الديمقراطية المستقلة، التي تكتب بضمير وطني حرّ، والتي ندينها بأشد العبارات. فالهجمة لا تصدر عن نقد فكري مشروع، بل تُشنّ بأدوات التكفير والتحريض من قبل فلول التطرف وبقايا…

جليل إبراهيم المندلاوي في الوقت الذي صار فيه المقعد النيابي أكبر من صاحبه، وأضيق من أن يتّسع لفكرة الديمقراطية، خرج علينا مشهدٌ يلخّص أزمة السلطة حين تنقلب على أصل معناها، ففي قضاء الدبس الهادئ، استيقظ الأهالي على عرض أكشن سياسيّ حيّ.. حيث اقتحم نائب منتخب بيت مواطن لأنه تجرأ وكتب تعليقا على فيسبوك، عجبا.. يبدو أن الديمقراطية عند البعض تتحسس…