الكفاءة أساس بناء الدولة: نحو قيادة وطنية فعالة في سوريا المستقبل

خالد بهلوي

يُعدّ اختيار الكفاءات من أبرز العوامل التي تُسهم في تقدّم المجتمع ونجاح مؤسساته، إذا تم الاختيار ضمن مناخ ديمقراطي يتيح انتخابات حرّة ونزيهة، تُفرز عندها قيادات مسؤولة أمام الشعب، وتخضع للمساءلة القانونية         في حال ارتكابها أخطاء مالية أو إدارية، أو في حال إهمالها قضايا وهموم من انتخبوها.
عندما يُنتخب المسؤول من قبل الشعب، يجب عليه أن يعمل بجدّ لخدمة الجماهير التي منحته الثقة. أما حين يتم اختيار الأشخاص لشغل مواقع قيادية أو لإدارة مؤسسات بناءً على علاقاتهم أو ولائهم للسلطة، لا على كفاءاتهم ومؤهلاتهم، فإن مستوى تنفيذ المهام الموكلة إليهم يتراجع، ويغيب الأداء الحقيقي، ويضعف الإنتاج، وتتراجع أدوار مؤسسات الدولة. كل ذلك يؤثر بشكل مباشر على معيشة الناس وحياتهم.
إن التعيين القائم على المحسوبيات والولاءات يؤدي إلى عرقلة أي تطوير أو إبداع، ويجعل من أصحاب المناصب عبئًا على المؤسسات، لينتهي الأمر بفشل مؤسسات الدولة في جميع المراحل.
ويزداد الأمر سوءًا عندما يكون رؤساء اللجان أو المؤسسات لا يحملون المؤهل المناسب، ويقودون أشخاصًا      من ذوي الكفاءات العالية، رغم وجود طاقات علمية وكوادر مؤهلة قادرة على قيادة أي عمل مهني أو علمي وتحقيق التنمية المطلوبة.
فالمجتمعات لا تتقدم إلا عندما يُكلَّف بإدارة الأمور الكوادر الحقيقيون، وخاصة في القطاعات الإنتاجية والعلمية التي تتطلب إبداعًا واستيعابًا للتقنيات الحديثة، لا سيما في عصر الذكاء الاصطناعي. من هنا، تبرز أهمية اختيار الأفراد               في المراكز بناءً على قدراتهم الحقيقية، وخبراتهم العملية، وتأهيلهم العلمي، لا على انتماءاتهم السياسية أو الطائفية أو علاقاتهم الشخصية.
ومن الضروري إعادة النظر عند تشكيل أي قيادة لبناء سوريا المستقبل، وذلك بالاعتماد على فريق وطني متكامل ومنسجم، يضم شخصيات ذات خبرات وتجارب، وتحظى بقبول واسع لدى مختلف مكونات المجتمع السوري.
ويجب أن تتوفر في الفريق القيادي القدرة على إدارة المؤسسات، لا الاكتفاء برفع الشعارات، وأن تكون لديه رؤية واضحة لقيادة المرحلة نحو برّ الأمان، ويمثل جميع المكونات دون تهميش أو محاصصة، وأن يكون قادرًا على إدارة كافة المهام المطلوبة لتحسين معيشة الشعب وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة والآمنة.
ومن الحكمة أن يمتلك الفريق القدرة على الحوار وبناء الثقة بين أفراد الشعب والقيادة، من خلال لقاءات مع ممثلي المنظمات والأحزاب الوطنية، والإعلان عن برامج ومشاريع اقتصادية واضحة تُعرض على الشعب،          مع إتاحة المساءلة الشعبية عبر آليات ديمقراطية، في مقدمتها حرية انتخاب أعضاء مجلس الشعب، ليمثلوا الشعب تمثيلًا حقيقيًا، لا أن يكونوا مجرد مصفّقين أو معقّبي معاملات كما في السابق.
البلد بحاجة ماسة إلى قيادة وطنية جماعية تُدير مرحلة ما بعد الأحداث المؤسفة برؤية حضارية، تنقذ البلاد        من الفوضى، وتضعها على طريق السيادة والتقدّم والتطوّر الحضاري الذي يطمح إليه الجميع.
إن اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب ليس مجرد شعار إداري، بل هو القاعدة الصلبة لأي نهضة حقيقية تُخرج البلاد من دوامة الفوضى والفتنة والكراهية إلى فضاء التنمية والاستقرار.
وفي المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تطبيق مبدأ “الرجل المناسب في المكان المناسب” كدعامة أساسية لإعادة بناء الدولة على أسس من الكفاءة والنزاهة والشفافية.
لم يعد من المقبول أن تُدار مؤسسات الدولة وفقًا لمعايير الولاء أو العلاقات الشخصية، بل أصبح من الضروري أن تكون الكفاءة والمعرفة والخبرة هي الأسس التي تحدد هوية القادة والمسؤولين في سوريا الجديدة.
وعندما يرى المواطن أن المناصب تُشغَل بكفاءات حقيقية، سيستعيد ثقته بالدولة، وسيلعب دورًا أكبر في الحياة العامة، وعندها تتاح الفرص للجميع للمشاركة في بناء الوطن.
ولا شك أن تطبيق هذا المبدأ في سوريا يواجه تحديات حقيقية، أبرزها بنية المحاصصة والمحسوبية التي ترسخت خلال سنوات الأزمة، وغياب الشفافية في التوظيف وتولي المناصب. كما أن بعض القوى لا تزال تحاول الحفاظ على مواقعها بالاعتماد على الولاءات لا الكفاءات. لذلك، فإن أي مسؤول لا يحقق الأهداف يجب أن يُحاسب ويُستبدل بمن هو أكثر كفاءة ونشاطًا، من خلال هيئات رقابية مستقلة تضمن نزاهة المؤسسات.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…