د. ولات محمد
أنا الكردي أعلن الآتي:
لا يحق لأحد أن يتنازل عن حقوقي القومية في اتفاق أو بيان أو برنامج، إذ إنني لم أفوّض أحداً ليفعل ذلك مطلقاً.. إنها حقوق الأطفال والأجيال وليست حقوقك الشخصية حتى تتصرف بها كما تشاء وترى…
إن كنتَ عاجزاً عن انتزاع حقوقي اليوم فإن غيرك قد يكون قادراً على ذلك غداً، فلا توقع على التنازل عنها، واترك طريق المحاولة مفتوحاً لمن سوف يأتي بعدنا…
في الأزمنة الصعبة، وحينما “لم يكن للكوردي إلا الريح” تحمّلَ كل أنواع العذاب والقهر والحرمان ولم يتنازل، بل ذاق كل ذلك القهر لأنه لم يتنازل، فكيف لك أن تتراجع في زمنٍ بات في يدك أكثر من الريح، صار بمقدورك أن تقول لعدوك “لا” دون أن تتوقع أن سوطاً سينهال على جسدك ثمناً لتجرؤك و”وقاحتك” ورفسك لنعمة “الضيافة”؟ كيف تتنازل في زمن أثبتَ فيه للجميع أنك من أصحاب البيت الأصلاء وأنك حميْتَه من الدخلاء والخراب ودافعتَ عنه أكثر من الجميع وحافظت عليه من لعبة العملاء، على الرغم من أنهم لم يُسكنوك في إحدى غرف ذلك البيت، بل على سطحه أو في محيطه أو تحت درجه في أحسن الأحوال. ورغم ذلك عندما حاق به الخطر كنتَ أول وأكثر وأشد من دافع عنه وبذلت له من دمك وروحك الكثير. كيف تتنازل عن حقي بعد أن فعلتَ كل هذا؟!
قرنٌ من العمل والنضال والمعاناة، قرون من الخوف والقلق والاختباء والترقب، قوافل متتالية من الشهداء والأيتام والثكالى وممن فقدوا أجزاء عزيزة من أجسادهم في سبيل تلك الحقوق.. شهور وسنوات قاسية في السجون والمعتقلات وفي الجبال والكهوف والنفي، في الحر والبرد، في المطر والثلج والصواعق. بعد كل ذلك لا يحق لأحد (كائناً من يكن وتحت أية صفة كانت) أن يتنازل عن شيء مما ضحى كل أولئك من أجل الوصول إليه.
هل هو حلم؟! فليكن! أن يبقى أطفالنا يحلمون بأن يعيشوا كغيرهم على أرضهم بلغتهم وبهويتهم وبكرامتهم خير لهم من أن يعيشوا ضيوفاً بلا حلم بيوم أجمل.. الحلم بالشيء يعني أن هناك احتمالاً أن يتحقق يوماً ما، أما فقدان الحلم بالشيء فيعني انتهاءه..
لا توقِعْ على إنهاء الحلم.. لا نريد أن نحرم أطفالنا من هذا الحلم الجميل، هذا الحلم الذي نغني له ونرقص له ونرسم له ونحتفل به ونكتب الأشعار له، الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، الذي راح ضحيته مئات الآلاف ولم يغادره أحد، بل ازداد الجميع به شغفاً وتعلقاً، هذا الحلم الذي صار جزءاً من أرواحنا وأبقانا أحياء، الذي لولاه لكنا الآن أناساً بلا أصل، بلا هوية، بلا ملامح، الحلم الذي ترسخ في الخيال وانحفرت خارطته في القلوب..
كردستان كانت في مخيلة كل من قضى شهيداً في سبيلها، كانت ولا تزال في قلوب الأيتام والأرامل والثكالى والأمهات والآباء والإخوة والأخوات، بل في مخيلة حتى من رحل هادئاً وهو على فراشه، وبقي عشقها معشعشاً في قلوب الجميع.. لذا ينبغي أن يبقى ذلك الحلم ملازماً كل طفل كوردي، لأنه عشقه، وإرثه، وحلمه المشروع، فإذا كنا لم نستطع أن نحقق له كوردستان فليس أقل من أن نورثه ونسمح له بأن يحلم بها.. إنه حلم ثقيل، ولكنه جميل!!
تصوروا للحظة أن يتخلى الكوردي عن حلمه! هل تتخيلون كيف سوف تغدو حياته؟ ألن تكون حياة فارغة، باهتة بلا ألوان، بليدة بلا هيجان..؟ سوف تكون بلا شك حياة مملة، إذ لن يكون هناك ما ينتظره الكوردي، لا شيء يسعى لبلوغه، لا أغاني له لا أناشيد.. هل سوف يكون نوروز بكل هذه الأبهة، بكل هذه الألوان، بكل هذا الفرح وبكل هذا الرقص إذا انتهى حلم الكوردي؟!
أنا الكردي أتقبّل منك عجزك عن انتزاع حقوقي اليوم، لكنني لن أغفر لك إن تنازلتَ عنها غداً، لأن تنازلك عن حقوقي اليوم سوف يغلق الباب أمام مَن قد يكون أقدر منك على ذلك غداً..
إن كنتَ ميتاً أو كنت تريد أن تموت فلا تميت الحلم معك.. دعه حياً ينبض وينتظر من يأتي بعدك..
لا بد أن يبقى حلم كوردستان حياً يجري في عروق النفس والخيال كي يبقى لحياة الكوردي معنى: فإما أن يتحقق يوماً فيفرح للأبد، وإما أن يبقى حلماً فيتجدد معه أمله كل يوم وللأبد أيضاً…