قسد لن تدخل البادية… إلا في حالة واحدة

زاكروس عثمان

عاد الحديث مجددًا عن احتمالات توسع عمليات التحالف الدولي في سوريا، هذه المرة عبر بوابة البادية السورية. لكن خلف العناوين الأمنية، ثمة رسائل سياسية عميقة توجهها واشنطن إلى أطراف متعددة، أبرزها “أبو محمد الجولاني”، الارهابي الذي بات حاكما لسوريا. فما هي خلفيات هذه التحركات، والسيناريوهات المحتملة لمرحلة ما بعد سقوط نظام الاسد.

تصاعدت في الأيام القليلة الماضية التكهنات حول استعداد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لبدء عمليات تمشيط واسعة في البادية السورية، بحثًا عن مسلحي تنظيم “داعش” الارهابي، الذي عاد ليكثف نشاطه في المناطق الواقعة ضمن نفوذ الحكومة السورية المؤقتة. وتثير هذه التحركات قلقًا جديًا من احتمال سعي التنظيم لإعادة إعلان “دولة الخلافة” من خلال السيطرة على تجمعات سكانية في مناطق تمتد من غرب الفرات إلى تدمر، وربما حتى السويداء جنوبًا.

ورغم أن الهدف المعلن من هذه العمليات يتركز على محاربة داعش، إلا أن القراءة السياسية الأعمق تشير إلى وجود رسائل غير مباشرة موجهة إلى الرئيس السوري المؤقت أبو محمد الجولاني. فالتلميح إلى دخول قسد إلى مناطق غرب الفرات لا يخلو من مغزى سياسي، يبدو أنه يتمحور حول دفع الجولاني نحو القبول بشروط أمريكية-إسرائيلية تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل والانضمام إلى “اتفاق أبراهام”.

هذه الشروط لا تقتصر على التطبيع فحسب، بل تمتد إلى ما هو أخطر: التخلي عن مبدأ “الأرض مقابل السلام” لصالح صيغة “السلام مقابل السلام”، أي الاعتراف بالأمر الواقع فيما يخص الجولان والمناطق التي خضعت للسيطرة الإسرائيلية مؤخرًا.

هنا يجد الجولاني نفسه في مأزق شديد التعقيد. فقبول هذه الشروط قد يعني نهاية مشواره السياسي، وربما حتى نهاية وجوده، إذ سيفقد شرعيته أمام قاعدته الشعبية والدول التي لا تزال تدعمه ضمن توازنات معقدة. أما الرفض، فثمنه قد يكون باهظًا، مع إمكانية الإطاحة به من قبل القوى ذاتها التي مكنته من الجلوس على كرسي رئيس الجمهورية.

في هذا السياق، تبرز قسد كورقة ضغط استراتيجية بيد واشنطن. إذ أن مجرد التلويح بإطلاق عمليات لها في البادية وغرب الفرات يبعث برسائل مفادها أن التحالف لا يزال يعتمد على قسد كشريك موثوق، بل وقادر على التوسع. وهذا بدوره يعزز موقف قسد سياسياً وعسكرياً، ويمنحها أوراقاً إضافية في صراعها المفتوح مع النظام السوري، وربما يعيد فتح ملف الفيدرالية الكردية في روجآفا من جديد.

باختصار، يبدو الجولاني اليوم محاصرًا بين خيارين أحلاهما مرّ: إن رفض شروط إسرائيل، فـ”البعبع الكردي” سيُدفع نحوه ليقف على ابواب دمشق ويهدد نفوذه السياسي والعسكري، وإن استجاب، فسيُنظر إليه كمجرد وكيل للهيمنة الخارجية، فاقد للمصداقية، مجرد طامح إلى سلطة لا أكثر.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…