الدور الوظيفي (لحكام دمشق الجدد)

فرحان كلش
من شبه المؤكد أن لا صدف مطلقة في السياسة، ولا عشوائية في أقدارها المتخيلة، فالسياسة وسيلة لتحقيق المصالح وتعزيزها، ويبقى المال والقوة والسلطة مرتكزات ومعززات لتحقيق الإنتصار في لعبة السياسة.
إن تسليم مفاتيح قصر الشعب في دمشق لشخص متهم بالإرهاب كالجولاني ليس إلا محطة سيقوم فيها بدوره الوظيفي الموكل إليه، ومن نافل القول أن جملة المهمات التي عليه تنفيذها إن أراد الإستمرار، هي التي ستخلق له أرضية ضعفه وإنهيار سلطته.
إن هذا الاتجاه الذي فُرض على الشعب السوري، خلافاً لتصوراته عن ثورة علق عليها آمالاً بحجم مأساته في تحقيق نموذج مختلف لسلطة المخلوع وأبيه المقبور، هذه الأحلام تبخرت، بل تحولت عند جزء من الشعب وبكثير من الأسف من مطالب شعب متنوع الأديان والطوائف والقوميات والثقافات إلى أحلام العودة إلى إنتماءات ماقبل بزوغ فكرة الدولة، فمرتكز الجولاني المعرفي الآن هو تبني الموروث الفكري لجزء من الطائفية السنية المتنوعة بتوجهاتها عموماً والمتمثل بالسلفية الجهادية، وبمحاولة تعميم هذا النموذج على كامل التنوع السوري تتوضح لنا استحالة بناء دولة تمثل الجميع.
أن هناك جملة غايات من تنصيب الجولاني على رأس السلطة في دمشق موضوعة على الطاولة لتحقيق المصالح الدولية، التي سمحت لهذه المفاجأة بالنسبة لنا آن تتم.
وأولى هذه المهام هو الاستمرار في إفشال عملية خروج سوريا من أزمتها، بل توفير المعايير الدولية لتحديد الدولة الفاشلة، الأمر الذي سيضطره إلى طلب المعونة على الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية، مما يوفر الأرضية الأهم في معادلة تحقيقه للشروط الإقليمية والدولية.
فإقليمياً مطلوب من الجولاني التوقيع دون خجل على اتفاقات إبراهام، والتي هي تحويل إسرائيل إلى جزء قيادي في المنطقة ثقافياً واقتصادياً.
وإذا كان الجولاني ليس الوحيد الموضوع تحت الاختبار الوطني، إلا إن الأرض السورية التي تحتلها إسرائيل نقطة تميز محزنة وضاغطة على أي سلطة في دمشق، توضع في هكذا اختبار قاس.
وليس بخاف أن خلق بؤر التوتر من اللوازم التي تعمل عليها قوى الرأسمالية الدولية، والمتمثل في خلق حالات سياسية متنوعة وغير منسجمة في المنطقة، كنوع من السواتر المانعة لأي تقارب ضد إسرائيل في لحظة ما، شيعي متشدد، سني متشدد، توجهات نوح الاعتدال الفقهي كالسعودية وبعض دول الخليج.
هذا التنوع في إطار التدين ضرورة لا بد منها، لخلق حالة تشتت ريثما تعمم قاعدة الكل في سبيل الاقتصاد، الاقتصاد خيط المسبحة، وبناء الثقافة والقيم وفق هذا المعيار، المعيار الذي يُؤسس على قدم وساق ومطلوب من الجميع تبنيه.
إن الفلم التراجيدي المطلوب من الشعب السوري مشاهدته، بل والتصفيق والصفير له في قاعة المشاهدة، قاسٍ، خاصة وهو يجتر أحلامه المتكسرة على صخرة المصالح الإقليمية والدولية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…