قداديسٌ وأفراحٌ مذبوحةٌ بوشائج الهتاف الأخير

المحامي كاوا درويش

 

 هناك اليوم في ضاحيةٍ دمشقيةٍ قبل ساعاتٍ فقط ثمَّة كنيسةٌ كانت تهيّئُ نفسها لتبارك حفل فرحٍ وزفاف.

كل شيءٍ فيها كان يضجُّ بالحسن والبهاء… تراتيلٌ تتعالى، فتياتٌ صغيراتٌ ينثرن الورد الممتزج برائحة السرور على الضيوف في القاعة المبتهجة، رجالٌ متأنّقون، ونساءٌ مكتظةٌ بألوان الأنوثة، وملائكةً تصلي للخير والمحبة.

 هناك أيضاً على مقربةٍ من تلك الكنيسة الوديعة كان ثمَّة أشباحٌ قررت أن تمزّق النور وتُسكِتَ أجراس السلام، وتغتال رقصات القديسين من على مسرح  الإنسانية…

رصاصٌ في الهواء وقنابل، شيطانٌ يفجر جسده، والغنيمة  أكثر من عشرين روحاً مسيحية الهوية، انسانية الروح تصعد سلالم  السماء.

رائحة البارود والدخان تغتال البخور والعطور، والظلام ينحر النور…

هنااااااك في الحياة الأطهر في مكانٍ ما فوق السحاب كانت خمسٌ وثلاثون روحاً كردية من آل فاطمي تعانق أكثر من عشرين روحاً مسيحيةً كانت في ضيافتها منذ المساء. 

يجتمعون سويةً على مائدة العشاء، يستعيد الكردي أشرطة ذكرياته فيحكي للمسيحي ما جرى له منذ  أكثر من ثماني سنوات حين كان المشهد نفسه يُفتتح والستائر تُرفع والأضواء تُشتعل. ضباعٌ كريهةٌ وأشباحٌ قبيحةٌ تغزو صالة السنابل الكردية في مدينة الحسكة، فتقلبُ الموازين وتحول الطقوس من مشهدٍ لتبادل الخواتم إلى جمعٍ للجثامين ومسرحٍ للمجرمين…

في تلك الليلة، انتحر الزمن في لحظةٍ وتحولت أفراح آل فاطمي لمآتم.

 عويلٌ يطفو على الزغاريد… 

أطفالٌ ما تزال أكفهم مصبوغةٌ بسكر الحلويات… 

حسناواتٌ سقطن وهنَّ يرقصن رقصة الحياة، وأمهاتٌ وجدَّاتٌ ينتظرن انتهاء رقصة العرس الأخيرة حتى يخلدن للراحة والطمأنينة… 

السماء بوسعها تضيق الآن بقوافل الشهداء، وشعار العدل أساس الملك هو وحده الغلاب، فالحداد بدوره بات يوزع بالتساوي على جميع الأمهات، مسيحيات وكرديات.

_______________

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…