صلاح بدرالدين
مدخل
الى جانب الانشغال اليومي بامور وشؤون الكرد السوريين كمهام لها الاولوية من خلال النضال في سبيل رفع الاضطهاد القومي، والاجتماعي، والسياسي عن كواهلهم، واستعادة حقوقهم القومية، والمساهمة في النضال الوطني العام من اجل الديمقراطية، والتقدم، ومواجهة الاستبداد، كان الهم القومي – الكردستاني – لم يفارق مشاعر جيلنا والذي من قبلنا، ليس كموقف سياسي عابر يفرضه الانتماء الى قومية واحدة، بل لاسباب موضوعية تاريخية اعمق؛ فالشعب الكردي وبخلاف تجارب الكثير من الشعوب والاقوام، توزع من وضعية الكيانية الجغرافية الواحدة في عهود الامارات، والممالك الصغيرة الذاتية الحاكمية، والاقطاعيات القبلية في القرون القديمة منذ معركة جالديران بين الامبراطوريتين العثمانية (السنية) والصفوية (الشيعية)، وما لبث كرد السلطنة العثمانية وامام هجمة الاستعمار الاوروبي ان توزعوا على دول ثلاث (تركيا – سوريا – العراق)، وبقي كرد ايران من رعايا الدولة الايرانية الشاهانية.
وفي هذه العملية الطويلة التي لم تخل من الحروب، والمواجهات، وموجات الابادة والتهجير، تشتت شمل الحركة القومية وانتقلت تعبيراتها السياسية والثقافية والمقاتلة من الوحدة، والمركزية الى الانتشار في دول اربعة بكل ابعادها الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية الجديدة، وبعبارة اوضح غادرت الحركة القومية الكردية نمط تمثيل – الجنرال شريف باشا، وحركة خويبون، ومفاهيم تحرير وتوحيد كردستان الكبرى، الى احزاب كردية ايرانية، عراقية، سورية، تركية تعمل من اجل الحقوق القومية للكرد والديمقراطية للجميع.
عندما يتجاوز الكردي العموميات يصطدم بالحقيقة المرة
التشخيص الموضوعي وليس العاطفي لواقع الكرد وحركتهم في المرحلة الراهنة، يوجب علينا القول باختلال التوازن بين الوطني، والقومي لمصلحة الاول، وكلما نجحت الجهود في ايجاد حلول للقضية الكردية في اي جزء، كلما تمايلت كفة الميزان لصالح الاندماج الوطني، والعيش المشترك بين الكرد وشركائهم في الوطن، والمساهمة اكثر في قضايا الوطن المشتركة، وكمثال: وبعد سنوات من انتزاع شعب كردستان العراق الفيدرالية، اصبح للتفاهم، والتفاعل مع العاصمة الفيدرالية – بغداد – الاولوية، وتضاءل اهتمام القيادة السياسية بالشأن القومي الكردستاني الا بما يخدم استراتيجية الشراكة مع بغداد، ولم نعد نرى عقد اجتماعات من اجل – المؤتمرات القومية – وتوحيد الحركة الكردستانية – ومناقشة المشاريع والبرامج لتحقيق ذلك كما كان متبعا في مرحلة الثورة وقائدها الزعيم الراحل مصطفى بارزاني، ونسبيا في السنوات الاولى من تحقيق الفيدرالية، الى درجة ان مؤسسة ثقافية مثل رابطة كاوا للثقافة الكردية كانت تقيم الندوة تلو الاخرى وحلقة دراسية بعد اخرى بهذا الشأن في اربيل وبمشاركة مفكري ومناضلي الاجزاء الاربعة.
القوى الحزبية (الكبرى) في الميزان
منذ بداية تسعينات القرن الماضي ظهرت في الساحة الكردستانية ثلاث قوى رئيسية تمثلت في ثلاثة احزاب: الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق، حزب العمال الكردستاني – تركيا، وخلافا لتقديرات البعض لم يشغل – حزبا ديمقراطي كردستان – ايران مكانة القوة الكبرى بالرغم من تالقه في مراحل معينة.
ومن الملاحظ ان تلك الاحزاب – الكردستانية – لم تحقق خطوة واحدة باتجاه لم الشمل القومي، او تحقيق صيغة للعمل المشترك، والتنسيق بين الحركة القومية في الاجزاء الاربعة بالرغم من محاولات عديدة ومن ضمنها مبادرات من جانبنا (موثقة في مذكراتي)، وقد حصلت في عهدها مواجهات، وحروب كردية – كردية، ما زالت نتائجها تتفاعل، ان تلك الاحزاب وبما تتمتع من قدرات مالية، ونفوذ، كان بامكانها لو توفرت النية والقرار السياسي ان تحقق خطوات نحو ايجاد نوع من التعاون بدل العداء، وبكل اسف كان الكرد السوريون وما زالوا من اكثر المتضررين من تلك الحالة غير الطبيعية، فمن جهة توزعوا لموالاة هذا الطرف وذاك على حساب قضيتهم الاساسية، ثم تحولوا الى وقود لصراعاتها – الحزبية – حول النفوذ والسلطة.
آمال واهية
في ظل هذه المعادلة الكردية القائمة – المختلة – في المنطقة تنتفي كل الامال التي يعقدها بعض الحالمين على (مستقبل واعد)، وهذا من حقهم بطبيعة الحال بشأن قيام دولة كردستان الكبرى، بعد الحرب الاسرائيلية – الايرانية مثلا، فمنطقتنا تزخر بالتحولات الكبرى منذ بدايات القرن العشرين، وضاعت الفرصة تلو الاخرى، لان العامل الذاتي الكردي شبه معدوم كما بينا اعلاه، حتى لو تكونت العوامل الموضوعية الناضجة، قد تكون نتائج التحولات الكبرى وسقوط انظمة معينة لمصلحة الكرد في بلد معين اذا حصل تغيير جذري في التركيبة القائمة بالحركة السياسية الكردية واعيد بناؤها من جديد، ولكن من الصعب ان يسري ذلك على جميع الاجزاء في الحالة الراهنة.
ولو كان الامر بيدي لدعوت على اقل تقدير الى لقاء تشاوري بين فعاليات، وتعبيرات كرد المنطقة برمتها لدراسة التطورات، وانعكاساتها، ونتائجها، وكيفية التعامل معها.
تصحيح مفاهيم
اُلاحظ بين الحين والآخر نشر مغالطات من جانب بعض كتاب المقالات والبوستات من الكرد السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي حول الشأن القومي، فبالاضافة الى المزايدات المغالية، تراه يكتب بالجمع المضخم وليس بالمفرد، اي ربط كرد الاجزاء الاربعة والعالم ببعضهم، وكان هناك قيادة (كردستانية) واحدة لكل الاجزاء، ومرجعية قومية مركزية واحدة، وكيانا مركزيا واحدا، وواقعا جغرافيا بشريا واحدا موحدا.
فعندما يتابع الحرب المندلعة الان يكتب وكان تاثيرها واحد على كل الاجزاء، متناسيا ان دول المنطقة بما فيها الدول المقسمة للكرد ليست على موقف واحد من هذه الحرب ومن مختلف قضايا المنطقة، وهذا ينسحب على الكرد الموزعين في تلك الدول ايضا، كما اعتقد فان عجز البعض عن فهم ما يجري للكرد السوريين، واتكاليتهم المفرطة على الخارج، او التهرب من اتخاذ موقف حاسم شفاف من الاطراف المتحكمة بالملف الكردي السوري، يدفع البعض الى التحليق عاليا جدا.
الكرد السوريون اولا
سبق ان كتبنا مرارا وتكرارا ان الكرد السوريين عليهم اعادة الاعتبار لشخصيتهم المستقلة، من خلال فصل قضيتهم عن المحاور الخارجية، واعادة بناء حركتهم السياسية، والاتفاق على توفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع على طريق الاتحاد، واقرار المشروع الكردي للسلام بجانبيه القومي والوطني، حينها سيكون الطريق الى دمشق سالكا، وحينها فقط يمكن تجيير الظروف الموضوعية المحيطة لمصلحة تحقيق الاستقرار، وتعميق الشراكة الوطنية في العهد الحر الجديد، وحل القضايا عبر الحوار.