شيرزاد هواري
تشهد منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصعيدات عسكرية متسارعة تقودها إسرائيل، مدعومة من حلفائها التاريخيين، في مشهد يشي بتحولات استراتيجية عميقة. هذه التطورات لم تأتِ من فراغ، بل تبدو كحلقة متقدمة من مسار طويل ابتدأ منذ ما يزيد عن قرن، مع توقيع اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت إرث الإمبراطورية العثمانية على أسس استعمارية، دون أدنى اعتبار لإرادة شعوب المنطقة.
لم يكن ذلك التقسيم مجرد ترسيم حدود، بل كان زرعًا لفتيل أزمات ما تزال آثارها ماثلة حتى اليوم. ولعل الشعب الكردي كان أحد أبرز ضحايا هذا الإرث؛ إذ تمزقت أوصاله بين أربع دول، فحُرم من كيانه القومي، وابتُلي بالحرمان والتمييز، فيما مُنحت شعوب ودول أخرى فرصًا لتأسيس كياناتها وتثبيت وجودها، كإيران والعراق وتركيا وسوريا وسائر الدول العربية الحديثة.
واليوم، تبدو المنطقة وكأنها سفينة ضخمة في بحر هائج، يقودها قبطان لا يتحكم في المسار قدر ما يُجبر على السير في اتجاه محدد، رُسم مسبقًا في غرف الاستراتيجيات الدولية. فالقوى العظمى لا تضع خططها في لحظة التنفيذ، بل تُجهزها مسبقًا لعقود، في انتظار اللحظة المناسبة للانطلاق. ومن هنا، فإن صمت بعض الشركاء الإقليميين، رغم امتلاكهم لحق القرار، قد لا يُقرأ إلا كموافقة ضمنية على ما يجري.
العقلاء والحكماء من أبناء الشعوب والأمم وحدهم القادرون على إنقاذ أوطانهم من التهلكة، لا من خلال المواجهة المباشرة، بل عبر التكيّف الذكي مع الرياح العاتية. هؤلاء مضطرون للانخراط بحذر في سياق المشروع الجاري، لأن الرفض المطلق قد يجعل أوطانهم عُرضة للانهيار أو التهميش.
ورغم كل ذلك، تبقى العواصف التي تهب على الشرق الأوسط ليست بالضرورة رياح خراب فقط، بل قد تحمل في طياتها شيئًا من “أوكسجين الأمل”. فهي، وإن كانت مدمّرة في ظاهرها، إلا أنها قد تفتح المجال أمام تصحيح مظالم تاريخية، وخلق توازنات جديدة تتيح فرصًا للشعوب التي عانت طويلًا من الإقصاء والظلم. وقد تقود هذه التحولات – بعد أن تهدأ العواصف – إلى توافقات تاريخية تُعيد تشكيل المنطقة على أسس من العدالة والعيش المشترك، في شرق أوسط جديد، لا مفر من قدومه، ولا خيار أمام شعوبه سوى التناغم المرن مع واقعه، كلٌّ حسب إمكانياته ووعيه.