خوشناف سليمان
تعيش المنطقة مرحلة انتقالية محفوفة بالتفكك. تزداد حدة مع تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران. إذ تتورط شعوب الشرق الأوسط مجددًا في صراعات لا تمس جوهر مصالحها. وسط هذا الاشتباك المتعدد المستويات. يغفل الخطاب الرسمي والشعبي معًا واحدًا من أبرز عناصر التوازن الغائب في هذه الجغرافيا.. المعضلة الكردية.
لقد جاءت خرائط التقسيم في القرن العشرين. لا سيما تلك التي رسمت في اتفاقيات ما بعد الحرب العالمية الأولى. لتضع الكرد في مواجهة مصير معلق. فبينما نشأت دول جديدة على أنقاض السلطنة العثمانية. توزع الكرد بين حدودها دون أن يكون لهم رأي في مستقبلهم. وتحولت قضاياهم إلى ملفات أمنية داخل أربع دول مركزية.
هذا التهميش لم ينعكس فقط على الكرد. بل امتدت تداعياته إلى بنية الدولة والمجتمع في تلك البلدان. إذ لم يكن إنكار وجودهم مجرد خطأ سياسي. بل كان جزءا من منطق تأسيس قائم على الإقصاء. أنتج أنظمة مهووسة بالحفاظ على شكل الدولة. و لو على حساب شعوبها.
مع كل دورة عنف جديدة في الشرق الأوسط. يثبت أن تجاهل هذه المعضلة لم يعد ممكنا. فما يحدث في كردستان ـ مهما اختلفت تسمياتها الإدارية ـ لا ينعزل عن هشاشة الداخل في أنقرة أو دمشق أو بغداد أو طهران. بل إن فشل هذه العواصم في التعامل مع التعدد القومي بوعي تاريخي. هو ما يجعلها عرضة للاهتزاز عند كل أزمة خارجية.
إن جوهر المسألة ليس في المطالب الكردية. بل في طريقة تعاطي الدول معها. الكرد رغم اختلاف تنظيماتهم وتجاربهم. باتوا يعكسون اليوم سؤالا وجوديا لم يجب عنه بعد.. كيف تبنى أوطان لا يشعر نصف مواطنيها أنهم ضيوف أو أسرى؟
تلك ليست مشكلة الكرد وحدهم. بل مأزق تركيبي يشمل الجميع.
لقد آن الأوان. في ظل التغيرات المتسارعة. أن تعاد صياغة العلاقة بين شعوب المنطقة على أساس جديد لا يقوم على الهيمنة و لا على التذويب بل على الاعتراف المتبادل والتشارك في المصير. فكما لا يمكن أن تبنى ديمقراطيات حقيقية على أنقاض القهر لا يمكن تصور استقرار دائم دون تفكيك العقدة الكردية بما يضمن كرامة هذا الشعب و يصلح الأعطاب البنيوية في مجتمعات المنطقة.
إن تجارب العقود الماضية كافية لتدلنا على طريق مختلف .. طريق لا تبدأ ملامحه من
/التسامح/ مع الكرد. بل من الإقرار بأن حل قضيتهم هو مدخل لفهم أعمق لأزماتنا. و لتحول سياسي و اجتماعي طال انتظاره.