ميزان الخسارة إسرائيل كدولة وإيران كسلطة

د. محمود عباس

 

تدرك إسرائيل، ومعها مراكز القرار في الغرب، من الولايات المتحدة إلى روسيا، أن خسارة إسرائيل في أي حربٍ شاملة تعني، ربما، زوالها الكامل، لا بوصفها مجرد دولة، بل ككيان جغرافي وكتجمّع يهودي عالمي في إسرائيل، فوجودها في قلب جغرافيا عدائية، وتكوينها كدولة عريقة في التاريخ، مثبتة في نصوص الأديان السماوية الثلاث، وتعرض لدى بعض قوى العالم الإسلامي على أنها طارئة فوق صفيح ديني وسياسي مشتعل، يجعل أي هزيمة كارثة وجودية.

أما خسارة إيران، فليست سوى نهاية لنظام الحكم الثيوقراطي، وسقوط لسلطة “الملالي” التي نقلت العاصمة السياسية من طهران إلى قم، منذ انتصار الثورة الإسلامية، ولهذا، فإن سقوط إيران لا يعني زوال البلاد، بل يعني تفتت إيران إلى دول قومية، مدنية، مركزها ليس فقط طهران، بل عدة مدن أخرى، وبالتالي ضمور مرجعية قُم.

ومن هذا الفارق الجوهري، يُبنى الموقف الغربي، فالدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لن تسمح مطلقًا بانهيار إسرائيل، وإذا ما اقتربت خسائرها من الخط الأحمر، فإن أمريكا ستتدخل بكل قوتها، سياسيًا، عسكريًا، وربما بقواتها مباشرة عبر الأسطولين الخامس والسادس، لحسم المعركة وضمان بقاء إسرائيل كخط دفاع أول في الشرق الأوسط.

لهذا السبب، ورغم التصعيد المتبادل، فإن إيران، على الأرجح، لن تُقدم على تدمير واسع للمدن الإسرائيلية، حتى لو امتلكت القدرة، رغم ما تتبين حتى الأن بأنها لا تملك تلك القوة العسكرية التي كانت تتباهى بها طوال العقد الماضي، فهي تدرك أن أي تجاوز كبير سيستفز تدخلاً أمريكيًا حاسمًا، قد لا يبقي من النظام الإيراني سوى رماده.

 ومع ذلك، تحاول إيران الحفاظ على هيبة السلطة أمام الداخل، وتُبقي على لغة المواجهة العقائدية مع إسرائيل، كموروث من فتاوى الخميني، ومن أجل تثبيت شرعيتها الثورية أمام قواعدها الشعبية.

لكن بين الرهبة من الرد الأمريكي، والرغبة في الظهور بمظهر السلطة “المقاومة”، تتخبط طهران بين وهم العقيدة وحدود الواقع الجيوسياسي، وهي تعلم أن فتوى “إزالة إسرائيل” لم تعد سيفًا مرفوعًا بقدر ما أصبحت عبئًا تاريخيًا يُدار بذكاء تكتيكي.

وبالتالي فمخطط إعادة تركيب البنية الجيوبوليتيكية للشرق الأوسط لم يعد مجرد سيناريو محتمل، بل مسار جارٍ بحذر وتصميم، تُدركه جميع القوى الفاعلة في المنطقة، وفي مقدمتها أئمة ولاية الفقيه في طهران، أردوغان في أنقرة، الجولاني كأداة تكفيرية والمصر على السلطة المركزية، وأحزاب الشيعة المهيمنة على مفاصل الحكم في بغداد.

هذه القوى، رغم اختلافاتها الظاهرية، تُدرك أن الخريطة السياسية القديمة تتآكل، وأن حدود النفوذ، والهوية، وحتى السيادة، باتت عرضة للمراجعة والاقتلاع، لذا، فإن كل تحركاتهم اليوم هي محاولة لعرقلة هذا التحول، أو تأخيره، أو التفاوض على شروط المشاركة فيه، لكن لا أحد منهم قادر على إيقافه.

أما الشرارة الحقيقية التي هزّت قواعد اللعبة، فكانت في السابع من أكتوبر، ذلك اليوم الذي بدا وكأنه “زلزال استراتيجي” أعاد ترتيب أولويات القوى الكبرى، وفضح هشاشة البُنى الداخلية لأنظمة كثيرة، وعلى رأسها النظام السوري، الذي لم يكن أمامه سوى الهروب، سياسيًا وربما جغرافيًا، في محاولة يائسة للبقاء ضمن المشهد.

سقوط أول قطعة من قطع الدومينو قد حدث، والأخرى قيد الاهتزاز.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

15/5/2025م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…