شيرزاد هواري
تشهد إيران اليوم أخطر لحظاتها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979. فالدولة التي لطالما تباهت بقدرتها العسكرية ونفوذها الإقليمي، باتت الآن تقف عاجزة أمام ضربات إسرائيلية متواصلة، تفضح هشاشة منظومتها الدفاعية وتكشف فراغ خطابها السياسي من أي مضمون عملي. في الوقت ذاته، فشلت كل الجهود الدولية، خاصة الأميركية منها، في دفع طهران نحو طاولة تفاوض حقيقية، لتبقى إيران غارقة في تعنتها، ودافعة شعبها نحو مستقبل مجهول، إن لم يكن مظلمًا.
الواقع تحت القصف: دولة مأزومة وعاجزة
الهجمات الصاروخية الإسرائيلية التي استهدفت العمق الإيراني مؤخرًا، لم تكن عمليات نوعية عابرة، بل شكلت تحولاً نوعيًا في قواعد الاشتباك. فالدفاعات الإيرانية، التي وُصفت ذات يوم بأنها “سد لا يُخترق”، بدت مشلولة ومخترقة، وسط عجز تام عن التصدي أو الردّ. لم تنجُ مراكز عسكرية فقط، بل طالت الضربات شخصيات علمية وأمنية بارزة، وسط أنباء متواترة عن مقتل قيادات من الصف الأول في الحرس الثوري.
وتزامن هذا التدهور العسكري مع انهيار في المعنويات، وارتباك واضح داخل مؤسسات الدولة، ليظهر النظام بمظهر المرتبك لا القوي، والمطارد لا المهاجم. والأخطر، أن الشارع الإيراني بدأ يفقد أي ثقة متبقية في مؤسسات الدولة، بعد سنوات من القمع، والعزلة، والانهيار الاقتصادي.
فشل دبلوماسي شامل… وعزلة دولية تامة
رغم عقود من العقوبات والضغوط والمفاوضات، لم تفلح لا الولايات المتحدة ولا القوى الأوروبية في تغيير سلوك إيران أو دفعها نحو مقاربة واقعية. فكل مبادرات الحوار النووي اصطدمت بجدار من العناد السياسي والازدواجية في الخطاب، حيث تستخدم طهران التفاوض أداة لكسب الوقت لا لحل الأزمات.
بات واضحًا أن النظام الإيراني لا يملك الإرادة السياسية للخروج من أزمته عبر الحلول الدبلوماسية، بل يراهن على الوقت، والتعب الإقليمي والدولي، دون أن يدرك أن هذا الرهان يقود البلاد نحو الانهيار الكامل. وفي ظل استمرار هذا الجمود، واستفزازاته المتكررة، تبدو إيران اليوم معزولة أكثر من أي وقت مضى، حتى من أقرب حلفائها التقليديين.
السيناريو المظلم: تفكك… تشرد… ولجوء
إذا استمر الوضع على ما هو عليه — تصعيد عسكري إسرائيلي، وانهيار داخلي، وفشل دبلوماسي — فإن السيناريوهات القادمة ستكون كارثية. فمع انهيار البنية التحتية وغياب الأمان، قد تشهد إيران موجات غير مسبوقة من الهجرة الجماعية واللجوء، لا سيما من المناطق الحدودية والغنية بالنفط والتي تشهد تاريخيًا توترات طائفية وعرقية.
الانقسامات الداخلية مرشحة للتفاقم، بين المحافظين والإصلاحيين، وبين الحرس الثوري والمؤسسة السياسية الرسمية، فضلًا عن تصاعد النزعات الانفصالية في بعض الأقاليم. وإذا ما فقدت الدولة السيطرة على بعض مناطقها، فإن الفوضى ستتحول إلى واقع يومي، وسيكون المدنيون هم أول الضحايا.
إيران… في خبر كان؟
الجمهورية الإسلامية تقف اليوم عند مفترق طرق تاريخي: فإما المراجعة الشاملة لمسارها السياسي والعسكري، والقبول بواقع عالمي جديد يتطلب العقلانية والانفتاح، أو الاستمرار في سياسة العناد، حتى النهاية المحتومة.
التهديد لم يعد خارجيًا فقط؛ إنه داخلي قبل كل شيء. فحين تنهار الثقة بين الشعب والدولة، وحين يعجز النظام عن حماية نفسه من صواريخ تخترق عمقه بسهولة، فإن الحديث عن “قوة إقليمية عظمى” يصبح محض وهم.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، لا بد من التوقف لحظة تأمل أمام ما جرى ويجري، لا من باب الشماتة، بل من باب الحق. لقد تحملت الشعوب غير الفارسية في إيران—الكُرد، البلوش، الأذريين، والعرب وغيرهم—عقودًا من الظلم البنيوي والتهميش والاضطهاد الثقافي والسياسي. آن الأوان أن تُرفع هذه المظالم، وأن يُعاد تصحيح التاريخ، ويُفسح المجال لبزوغ فجر جديد من الحرية والمساواة والكرامة.
مع كل لحظة انهيار في جسد الجمهورية الإسلامية، ترتفع آمال تلك الشعوب المغبونة في نيل حقوقها، وبناء حياة مدنية حرة، تشبه أحلامها لا كوابيس أنظمتها. قد تكون النهاية وشيكة، وقد يكون السقوط أقرب مما يتوقع الكثيرون… لكن الأهم هو ما بعد السقوط: لحظة البناء الحقيقي، والتحرر من الأيديولوجيا، وبدء عهد جديد لشعوب إيران المتعطشة للحرية والعدالة.