تفكيك ناعم: كيف يُعاد رسم القرار العراقي بعيدا عن طهران

تورين شامدين

 

بين قم وبغداد، مشروع تفكيك يتقدّم بخطى ثابتة…

لم يعد الحديث عن إسكات منظومة القيادة العراقية مجرّد تهديد يُرمى في الهواء، بل تحوّل إلى خطة دقيقة تُحاك خيوطها في غرف العمليات الإقليمية والدولية التي باتت تُدير صراع النفوذ على امتداد الشرق الأوسط.

فبعد أن أصيبت طهران بنزيف داخلي منهك، نتيجة ضربات اقتصادية وأمنية مركّبة، تتجه البوصلة الآن نحو بغداد… الحلقة الأضعف في منظومة التحالف الإيراني.

العراق اليوم يقف على أرض رخوة؛ توازن سياسي هش، انقسامات طائفية وعرقية متجذّرة، ودولة مكبّلة بتبعية القرار السيادي لمراكز نفوذ خارجية، وعلى رأسها طهران.

لم تعد تلك التبعية مجرد تحالف أيديولوجي عابر، بل تحوّلت إلى عبء ثقيل يُقيد الدولة، ويُعطّل بناء مؤسسات وطنية حقيقية.

تبدو بغداد وكأنها عاصمة مقيدة بخيوط غير مرئية، تمتد من العواصم الدينية إلى الساحات الأمنية والسياسية، ومن العقيدة إلى التمويل والاستخبارات.

القرار العراقي يُصاغ خارج حدوده، وتُدار مؤسساته عبر أذرع نيابية وأمنية، ولاؤها للخارج يسبق ارتباطها بالدستور والمصلحة الوطنية.

لكن الهدف القادم ليس إسقاط النظام العراقي، بل تفكيك محور القرار المشترك بين طهران وبغداد، عبر ضرب مفاصل النفوذ الإيراني: من الفصائل المسلحة، إلى المراكز الاستخباراتية، وصولًا إلى النخب السياسية التي تدين بالولاء للولي الفقيه.

كما في تجارب سابقة ضمن “محور المقاومة”، لا يتم انتزاع السيطرة بانقلابات صاخبة أو فوضى مفتوحة، بل بإعادة ترتيب العقد السياسية والأمنية من الداخل، بشكل مرن ومدروس، يُحقق الفصل التدريجي بين القرار العراقي والنفوذ الإيراني… دون الحاجة لحروب مباشرة.

المسار القادم يتمثل في تحييد مراكز السيطرة عبر ضربات سياسية واقتصادية، وأحيانًا أمنية، تُحدث فراغات مدروسة في بنية القرار، تُملأ لاحقًا بخيارات محلية المظهر، لكن مضمونة الولاء لمشروع إقليمي جديد لا يسمح لطهران بإعادة إنتاج أدواتها القديمة.

إنه مشروع تفكيك ناعم، لا يقوم على الانفجار، بل على الإزاحة الهادئة، وعلى إعادة بناء السلطة بتحالفات جديدة تراعي خارطة النفوذ المتغيّرة، بعد إنهاك إيران وإغلاق نوافذها نحو المتوسط والخليج.

نحن لا نتحدث عن انقلاب عسكري، ولا عن ثورة شعبية. بل عن عملية تفكيك سيادي هادئة ولكن عميقة، تُعيد برمجة القرار العراقي ليُصبح أكثر تماهيًا مع التوازنات الإقليمية القادمة.

العراق، لم يعد ساحة صراع فحسب، بل معبرا استراتيجيا في معركة إعادة رسم الشرق الأوسط. ومع كل خطوة تُنفذ على أرضه، يُعاد ضبط المعادلة بين طهران وخصومها، من الخليج إلى المتوسط.

ما يجري في بغداد ليس تفكيكًا لقرار فحسب، بل نحتٌ دقيق لهوية سياسية جديدة، قد تُولد من رماد النفوذ الإيراني، وترسم بداية شرق أوسط مختلف… من قلب العراق.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…