صراع الجبابرة: إيران وسوريا في دوامة الشرق الأوسط الدامية

 بوتان زيباري

 

في قلب العاصفة التي تهزّ الشرق الأوسط، تلوح نيران المواجهة بين إيران وإسرائيل، حاملةً معها أسئلةً مصيرية عن مصير النظام الإيراني وتداعياته على سوريا المنهكة. ليست هذه مجرد ضربات عسكرية عابرة، بل هي معركة وجود تخوضها إيران بكل ما أوتيت من قوة، بينما تسعى إسرائيل وأمريكا إلى إعادة تشكيل خريطة المنطقة وفق رؤيتهما. فهل نحن أمام بداية النهاية للنظام الإيراني؟ وما مصير سوريا التي تقف على خط النار؟

الحرب المفتوحة التي أعلنتها إسرائيل بضربها قادة إيرانيين كبار ليست سوى فصل جديد من فصول الصراع الطويل. فالهدف ليس مجرد الرد على هجمات، بل إسقاط النظام برمته، أو على الأقل إجباره على الانكفاء والتراجع. أمريكا، من جانبها، تريد إيران خاضعةً، مقيدةً، لا تهدد مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي تبنيه واشنطن وتل أبيب. لكن السقوط المفاجئ للنظام قد يفتح أبواب الجحيم، حيث الفوضى الإيرانية ستكون أشبه بالكارثة السورية، إن لم تكن أسوأ.

الملاحظ أن الضربات الإسرائيلية تركّز على أشخاص أكثر من منشآت عسكرية، وكأنها تريد إزاحة جيل من القادة ليفسح المجال لوجوه جديدة، ربما تم الاتفاق معها سراً. قد يأتي من يقول إن نظام الملالي يجب أن يتغير إلى “جمهورية إيرانية محافظة”، تحافظ على الهوية الدينية لكنها تتخلى عن تصدير الثورة، وتفتح الباب للإصلاح الدستوري. هذا السيناريو قد يلقى تأييداً من شباب إيران الذين سئموا الحروب بالوكالة وخسائرها.

لكن إيران لن تسقط بسهولة. قد تردّ بضربات موجعة، لكن أي رد عنيف سيدفع أمريكا إلى الدخول المباشر في الصراع، وسيزيد من حدة المواجهة. هنا تكمن الخطورة، فكل ضربة تزيد المنطقة اشتعالاً، وكل ردّ يجرّ إلى حرب أوسع. وفي خضم هذا العاصف، تقف سوريا كضحية ثانوية، منهكة بعد سنوات من الدمار، عاجزة عن حماية نفسها من تداعيات أي مواجهة كبرى.

إسرائيل لا تريد نظاماً ضعيفاً في سوريا، حتى لو أعلن رغبته في السلام. فكيف تثق بسلطة لا تملك سيطرة كاملة على ميليشياتها وفصائلها؟ كيف توقع اتفاقاً مع نظام يعجز حتى عن حماية رئيسه؟ المطلوب هو تحوّل جذري في سوريا: جيش موحد، مؤسسات قوية، وقضاء نزيه. فقط عندها يمكن الحديث عن سلام حقيقي.

في النهاية، الصراع بين إيران وإسرائيل ليس مجرد معركة عسكرية، بل صدام حضارات ورؤى. إيران تتكئ على أمجاد الماضي، بينما إسرائيل تبني قوتها على العلم والمستقبل. والعرب، للأسف، يدفعون ثمن تخبطهم وفساد أنظمتهم. فبدلاً من أن يكونوا صنّاع قرارهم، أصبحوا وقوداً في حروب الآخرين.

الدرس الأهم هو أن الخلاص لا يأتي من الخارج، سواء من إسرائيل أو إيران. فكلاهما عاش على حساب الآخر، وكلاهما يغذّي الصراع ليبقى. المخرج الوحيد هو أن يستفيق العرب من غفلتهم، ويبنوا أنظمة قوية تقف على أرض صلبة، بعيداً عن وصاية الأجنبي. فالشعوب التي لا تحكم مصيرها، سيحكمها غيرها بلا رحمة.

 السويد

14.06.2025

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…