“الأسد الصاعد” شرارة التحوّل في خرائط الشرق الأوسط

ياسر بادلي

 

في لحظة مشبعة بالتوجس والتوتر، شهدت المنطقة تطورًا دراماتيكيًا قد يُعاد معه رسم ملامح الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. فقد نفّذت إسرائيل هجومًا غير مسبوق على عمق الأراضي الإيرانية، استهدف مواقع عسكرية شديدة الحساسية، مدعومًا بتعاون استخباراتي داخلي، وتنسيق محكم عبر الفضاء الإيراني. حملت العملية اسمًا ذا دلالات رمزية لافتة: “الأسد الصاعد”، المستوحى من النصوص التوراتية، حيث يعلو “الأسد” من الأرض إلى السماء، في إشارة إلى حسمٍ قادم من الأعالي، وضربة قُدّر لها أن تخرج من الظلال إلى وهج المفاجأة.
ليست هذه الضربة كسابقاتها؛ إنها رسالة استراتيجية تتجاوز صخب المدافع. فقد جاءت لتضرب في عمق المشروع الإيراني، الذي تمدد لعقود عبر أذرع عسكرية وأمنية، مثل حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والنظام السوري المتشبث بالسلطة رغم عقود من الدم. والآن، تُضرب القدرات العسكرية الإيرانية في معقل دارها، ويُعلن عن اغتيال ثلاثة من كبار جنرالات الحرس الثوري، في ما يُنذر بمشهد جديد، حيث لا شيء سيبقى كما كان.
ما يحدث ليس مجرد مواجهة عابرة، بل شرارة لتحول إقليمي قد يُفضي إلى انفجار أو ولادة جديدة. وفي خضم هذه العاصفة، تبدو الشعوب وكأنها تدفع من أعمارها فواتير صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل. شعوب أنهكتها الحروب، وحرمتها من حقها الطبيعي في الحياة، والأمان، والاستقرار.
وهنا، لا بد من دعوة صادقة لكبح جماح التحريض والتجييش والكراهية. فكما من حق الإسرائيليين أن ينعموا بالحياة الآمنة في دولتهم، فإن من حق الفلسطينيين أن يحلموا بوطن حر، يعيشون فيه بكرامة وعدالة. كما أن الكرد، أولئك الذين شُتّت حلمهم لعقود، يستحقون دولة تحتضن لغتهم ورايتهم وهوّيتهم.
إن الشرق الأوسط لم يعد يحتمل مزيدًا من الجراح. على إيران، إذا كانت تبحث عن مكانة تُحترم، أن تكفّ عن تصدير الأزمات وتمويل الميليشيات، وأن تختار طريق البناء لا الهدم، الحوار لا الصراع.
قد تكون “الأسد الصاعد” علامة بدايةٍ لعصر جديد، لكن هذا العصر لن يولد إلا من رحم العقل والحكمة، لا من فوهة البندقية. إن ما تحتاجه المنطقة ليس مزيدًا من الانفجارات، بل ثورة وعي تتجاوز الأسلاك الشائكة والمفخخات، وتؤسس لشرقٍ يكتب تاريخه بالحبر، لا بالدم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…