زاكروس عثمان
خامسًا: نغمة رفض التمايز المناطقي والتمييز في الحقوق
تصِر السلطات الجديدة في دمشق على شيطنة الحكم اللامركزي، وتربط كل شرور البلاد به، رافضةً منح المناطق الكوردية وضعًا خاصًا كإقليم فيدرالي مستقل بإدارته ودستوره المحلي. فهل يُعَدّ منح الكورد جزءًا من حقوقهم المشروعة امتيازًا؟ أم أن الامتياز الحقيقي هو ما يحوزه العرب الذين يسيطرون على كامل الدولة السورية، ولهم دستور اتحادي نافذ في كل بقاعها؟
الفيدرالية ليست بدعة، بل نظام معمول به في دول كثيرة كالولايات المتحدة، حيث تمتلك كل ولاية دستورها المحلي دون أن يمسّ ذلك هيبة الدستور الاتحادي. فلماذا تُصرّ دمشق على دستور مركزي جامد يُفرض على الجميع، دون مراعاة الخصوصيات الثقافية والدينية لمواطنيها؟
ان فرض هذا النموذج من الدستور، خاصة تحت حكم حكومة سلفية متشددة، سيؤدي إلى رفض شعبي واسع، ولن يُطبّق إلا بالقوة، ما سيُغرق سوريا في مزيد من الفوضى.
نحن الكورد نعيش في بيئة منفتحة، لا تفرض البرقع على النساء، ولا تعتبر شرب كأس خمر جريمة، ولا ترى في الإلحاد خيانة. ماذا لو عُيِّن شرطِيّ تركستاني متطرف في مدينتي؟ هل سيرجم النساء أو يجلد من لا يصلي؟ القانون المحلي في الإقليم الفيدرالي هو الحصن ضد هذا النوع من الفكر الظلامي.
سادسًا: تهمة التمرد على قرارات الدولة
يتهم الجولاني و”هيئة تحرير الشام” قوات قسد بالتمرد، والحقيقة أن ما يحصل هو فقدان ثقة بحكومة متطرفة تقود فصائل إرهابية. كيف يُطلب من قسد حل نفسها أو الاندماج في جيش يعاديها فكريًا وعقائديًا؟ قوات قسد علمانية يسارية، تضم مقاتلات نساء، بينما تنظيمات السلطة ترى المرأة “عورة”. كيف يتم الدمج بين نقيضين؟ وما معنى “إلقاء السلاح” في غياب دولة حقيقية؟ الواقع أن من يسيطر على سوريا هي فصائل جهادية لا تعترف بالكورد أصلًا، وترى فيهم غنيمة حرب، كما فعلوا في عفرين والساحل.
ان رفض قسد لحل نفسها ليس تمردًا بل إجراء وقائي لتفادي حرب أهلية دامية قد تندلع في شمال شرق سوريا وتمتد إلى مناطق أخرى، جالبةً تدخلات خارجية كارثية.
سابعًا: لا مركزية بنكهة أسدية
يحاول بعض المركزيين اليوم تسويق نسخة “إدارية” من اللامركزية، بشرط ألا تكون ذات طابع سياسي أو تهدد “السيادة”، أي أن تبقى نسخة مشوهة من نموذج “اللامركزية” الذي أوجده نظام البعث: إدارات محلية تتبع الأوامر القادمة من العاصمة.
هذا النموذج لا يلبي مطالب الكورد. فالمطلوب إقليم فيدرالي حقيقي، يملك صلاحيات سياسية وعسكرية واقتصادية. وفي ظل وجود سلطة سلفية تكفيرية ترعى الفصائل الإرهابية، تبقى قوات قسد ضرورة أمنية للدفاع عن الإقليم، ولحماية المجتمع من انتهاكات أصبحت ممنهجة، حتى بحق المواطنين العرب.
ثامنًا: شعب لا جالية
حتى بعد كل ما جرى، لا يزال بعض المركزيين يتعامل مع الكورد على أنهم “مكون” أو “جالية”، وليسوا شعبًا. هذا المنطق يذكرنا بالنظرة الاستعمارية أو النازية: العرب شعب، والباقون مجرد “مقيمين” تُمنح لهم حقوق مشروطة بالعطف!
الكورد ليسوا مهاجرين ولا ضيوفًا. إنهم يعيشون على أرضهم التاريخية دون انقطاع، ولم يمنحهم أحد الإقامة. هم شعب أصيل، كالشعوب الأصلية في أستراليا أو أمريكا. كونهم أقلية عددية لا يسلبهم صفة “الشعب”، كما أن الأكثرية العددية لا تعني امتلاك الحق الحصري في تعريف هوية الدولة.
الحركة الكوردية قبلت بالبقاء ضمن سوريا، بشرط أن تنال كوردستان روزئافا اعترافًا دستوريًا كشريك لا كتابع. أما تصوير الكورد كجالية أو طرف هامشي، فهو امتداد لسياسة البعث في التنكر للواقع، وهو ما يتوجب على الوفود الكوردية مواجهته بحزم.
الكورد ليسوا مجرد “مكوّن اجتماعي”، ولا “جالية” يجب أن تَشكر المركز إن منحها القليل من الحقوق. الكورد شعب كامل، له الحق في الإقليم، وفي الحماية، وفي تقرير مصيره ضمن دولة اتحادية ديمقراطية. هذا ليس تمردًا، بل دفاع عن الذات، وعن وحدة سوريا الحقيقية، التي لن تكتمل إلا باعتراف متساوٍ بجميع شعوبها.