الانفصال… تهمةٌ جاهزة أم سؤالٌ معلق.. ” قراءة وتحليل على منشور الكاتب دلدار بدرخان “

شيرزاد هواري

 

في نصّه العميق والمكثف، يطرح الكاتب دلدار بدرخان سؤالًا جوهريًا لطالما أُغفل في الخطاب السياسي السائد:
من هو الانفصالي حقًا؟
ويُسائل فيه التصنيفات الجاهزة التي تُلصق بشكل متكرر بالشعب الكوردي، لا بوصفه فاعلًا سياسيًا له مطالب مشروعة، بل كمتهم دائم في خانة “الانفصال”.

بدرخان، في نصه، لا يدافع بقدر ما يعيد التعريف.
فهو لا يقف في موقع ردّ الفعل، بل يصوغ فعلًا معرفيًا مغايرًا يعيد التفكير في المفاهيم.
فـ”الانفصالي”، كما يقدمه، ليس من يطلب الإصلاح أو يعترض داخل الأطر الوطنية، بل من يعمل على تقويض أسس الدولة وتمزيق هويتها.

وفق هذا التصور، الانفصالي الحقيقي هو من:

  • لا يقرع باب الدولة بل يهدمه،

  • لا يصيغ بيانًا سياسيًا، بل يصدر “البيان رقم واحد”،

  • لا يطالب بتعديل مفردة، بل يمحو الكيانات،

  • لا يشتبك مع الحكومة بل يعادي الوطن،

  • لا يسعى لتمثيل، بل لتفكيك،

  • لا يقول “أنا أريد أن أُرى”، بل “أنا وحدي من يجب أن يُرى”.

ثم ينتقل بدرخان إلى قلب الطاولة:
هل قال الكورد يومًا: لسنا من هذا الوطن؟
الحقيقة، كما يشير، أن الكورد ظلوا يطالبون عبر العقود باعتراف صريح بمكانهم في الوطن السوري، لا خروجًا منه.
لم يطرحوا أنفسهم كبديل عن الدولة، بل كمكوّن أصيل يسعى إلى الإنصاف والمشاركة.

القراءة التحليلية: رؤية شيرزاد هواري

عند إعادة قراءة نص دلدار بدرخان، يمكن القول إن الكاتب يمارس وظيفة مزدوجة: تفكيك الخطاب الاتهامي من جهة، وتثبيت خطاب الحقوق من جهة أخرى.
إنه لا يُنكر الانتماء، بل يُلحّ عليه؛ لا يتبنى خطاب الرفض، بل خطاب الاستحقاق.
المقال لا يُراكم الانفعال بل يستند إلى منطقٍ يُعيد ترتيب العلاقة بين الدولة ومكوناتها: ليس من موقع الولاء الأعمى، بل من موقع الندية والمواطنة.

إن دلدار بدرخان في هذا النص لا يكتب فقط دفاعًا عن الكورد، بل يكتب بلغة تُعلي من شأن النقاش الوطني الشامل حول معنى “الانتماء”، و”المواطنة”، و”الوطن”.
وهو بذلك، يعكس حاجة حقيقية لإعادة صياغة علاقة الدولة بأبنائها، على أسس لا تُقصي ولا تُخوّن، بل تُنصت وتعترف.

في النهاية، لا يمكن أن يُتهم بالانفصال من يتمسك بالبقاء، ولا من يرفع صوته ليُرى، ولا من يطالب باعتراف لا يمزّق، بل يُكمل.
فالانفصال الحقيقي يبدأ حين يُرغم الناس على الانسحاب، لا حين يطالبون بالمشاركة 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…