زيارة ترامب والشرق الأوسط الجديد

محمد صالح شلال

 

بعد توليه رئاسة أمريكا كانت أول زيارة خارجية لترامب إلى المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج والتي تحمل بين طياتها أبعاداً استراتيجية عميقة، خصوصاً جاءت في توقيت حساس إقليمياً ودولياً. يمكن النظر إلى الزيارة ضمن سياقها السياسي، الاقتصادي والأمني، من هنا تبرز الدوافع الاستراتيجية للزيارة حيث سعى ترامب منذ بداية ولايته إلى ترميم العلاقة مع دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية من التوترات التي حصلت في عهد أوباما.

اختياره السعودية كأول محطة خارجية له كانت ملفتة فقد أراد أن يظهر أن التحالف الأمريكي الخليجي يعود إلى الصدارة فقد كانت الزيارة جزءاً من محاولة لتشكيل تحالف إقليمي ضد العدو المشترك وهو إيران، يشمل دول الخليج، مصر، الأردن وربما إسرائيل ضمن إتفاقيات شبه سرية تمهيداً لاتفاقيات “إبراهام” لاحقاً، وكذلك فيما يتعلق بالإتفاق النووي الإيراني.

أحد أهداف ترامب الرئيسة كان الضغط على إيران إقليمياً ودولياً وتوجيه رسالة واضحة مفادها أن واشنطن تقف بقوة مع خصوم إيران في المنطقة.

في الجانب الاقتصادي كان واضحاً من خلال الإعلان عن صفقات تسليح واستثمارات سعودية في أمريكا بقيمة تجاوزت مئة مليار دولار ناهيك عن الصفقات الاقتصادية في دول الخليج الأخرى كما أن منطقة الخليج من حيث استخراج النفط وتصديرها هي ذات أهمية حيوية لضمان استقرار سوق الطاقة العالمية.

من ناحية أخرى سعى ترامب في الكواليس الخلفية تحشيد دعم عربي وخليجي لخطته للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتي عرفت سابقاً بـ “صفقة القرن” والسعودية كانت وما زالت المفتاح الأساسي لأي تقارب عربي إسرائيلي وبالتالي فأن الزيارة كانت جزءاً من تمهيد الأرضية لتطبيع العلاقات لاحقاً كما أشار دونالد ترامب في خطابه في قصر اليمامة في الرياض.

الملف السوري كان حاضراً في زيارة ترامب بشكل جدي من خلال إعلان ترامب في خطابه إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بدعوة من ولي العهد السعودي والذي أقنع الرئيس الأمريكي بلقاء أحمد الشرع في الرياض، بالتأكيد موقف ترامب لم يكن وليد الساعة فقد أشار إلى الجهود الدبلوماسية من قبل السعودية ودول الخليج وتركيا لمساعدة سوريا من التعافي بعد سنين من الحرب والعقوبات المفروضة على النظام السوري السابق.

رغم إعلان رفع العقوبات، قدمت الإدارة الأمريكية قائمة من الشروط للحكومة السورية المؤقتة كجزء من بناء الثقة وتضمنت السماح للولايات المتحدة بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب داخل الأراضي السورية، وحظر علني لجميع الأنشطة السياسية الفلسطينية، والإعلان الرسمي لمحاربة تنظيم داعش وإبعاد المقاتلين الأجانب المصنفين كإرهابيين من المناصب الحكومية بالإضافة إلى إصدار إطار دستوري يتماشى مع المعايير الدولية وتمثيل الأقليات الدينية والعرقية في الحكومة، كما طالبت واشنطن بتعاون سوريا في تدمير ما تبقى من مخزون الأسلحة الكيمائية والتعاون في جهود مكافحة الإرهاب والمساعدة في البحث عن الصحفي الأمريكي أوستن تايس.

من جهته أبدى أحمد الشرع استعداداً للتعاون مع الولايات المتحدة، معرباً عن اهتمامه بالانضمام إلى إتفاقيات “أبراهام” وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بشرط وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا والحفاظ على وحدة الأراضيها وحسب التسريبات فأن الشرع أشار إلى أن بعض الشروط تحتاج إلى المناقشة وخاصة فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب الذين دعموا الثورة حسب رأيه.

يظهر التحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بداية جديدة في العلاقات الثنائية مع وجود فرص وتحديات تتطلب توازناً دقيقاً بين المصالح الأمنية والسياسية والإقتصادية والإنسانية.

تبقى المسألة الجوهرية في تقدير جولة ترامب وما أعقبها من لقاءات هي: هل نحن أمام بداية حقيقية لحل الأزمة السورية، أم أن ما يجري ليس سوى محاولة أمريكية لإعادة التموضع وتحقيق مكاسب استراتيجية في بيئة إقليمية متحولة؟ الوقائع الميدانية تشير إلى أن الولايات المتحدة تدرك قدرتها على فرض حل نهائي بمفردها ولكنها لا تريد أن تتدخل بالشكل العسكري المباشر ولهذا فأن تحركاتها السياسية، يقرأ على أنه توازن بين الضغط والدبلوماسية وتحاول إعادة واشنطن إلى قلب الملف السوري عبر بوابة التسوية السياسية لا الواجهة العسكرية. لكن في المقابل لا يمكن إنكار أن اللقاءات الأخيرة، خاصة لقاء ترامب بأحمد الشرع ورفع العقوبات تمهد لمناخ جديد يمكن أن يبنى عليه مشروع تسوية دولية تدريجي، التحدي يكمن في مدى قدرة الأطراف المتداخلة على تجاوز تناقضاتها وفي توفر الإرادة السياسية لتقديم تنازلات متبادلة تنهي الأزمة ولا تعيد إنتاجها بصيغ أخرى. يبدو أن ما يحدث هو تهيئة المسرح لمفاوضات كبرى قد تبدأ لاحقاً ما يعني أن الجولة هي مقدمة لخارطة طريق محتملة لكنها لم ترسم بعد بشكل واضح ونهائي، بالمحصلة زيارة ترامب وجولته الشرق الأوسطية ليست حدثاً عابراً بل مؤشر على تحول أعمق في المقاربة الأمريكية في الشرق الأوسط وسوريا أمامها بداية إعادة رسم النفوذ والمصالح ضمن توازنات جديدة تتداخل فيها الطموحات الإقليمية والحسابات الدولية.

من المرجح أن تدفع هذه التحركات نحو مؤتمر دولي موسع حول سوريا تشارك فيه قوى إقليمية وغربية وتطرح خلاله تسوية سياسية تشمل ملفات الانتقال، عودة اللاجئين وتعديل الدستور لكن إلى حين ذلك ستبقى واشنطن حريصة على أدوات نفوذها لا سيما في شرق الفرات ومناطق النفط والحدود مع العراق.

تركيا تجد نفسها في موقع حساس فقد كانت المستفيد الأكبر من التغييرات التي حصلت على الساحة السورية بعد انهيار النظام البائد، لطالما عارضت الإعتراف بأي سلطة في دمشق مرتبطة بالنظام السابق لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى تفاهمات مع واشنطن لضبط الوضع في المناطق الكوردية واحتواء النفوذ الكوردي.

زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى أنقرة ولقاؤه بنظيره التركي عكست بداية تنسيق جديد ربما يفضي إلى اتفاق ضمني حول تقاسم النفوذ في الشمال السوري يسمح لتركيا الاحتفاظ بمناطق نفوذها مقابل قبولها بالتسوية بين ممثلي الكورد ودمشق وقد تلعب دور الوسيط الصامت تحاول من خلاله الحفاظ على أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية سيما هي مقبلة على عملية سلام داخلية بينها وبين الحزب العمال الكوردستاني.

القرار الأمريكي برفع العقوبات وتخفيف بعضها في المنظور القريب خاصة في قطاع الطاقة والتحويلات المالية سيساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية التي أنهكت المواطن السوري فمن شأن هذا القرار أن يشجع شركات دولية على العودة التدريجية للاستثمار لا سيما في ملف إعادة الإعمار ويفتح نافذة أمل لتحسين معيشة السوريين.

سياسياً يمنح هذا الانفتاح شرعية أكبر لحكم أحمد الشرع ويعزز من موقعه في أي مفاوضات مستقبلية غير أن الانتقال السياسي ما زال بحاجة إلى ضمانات حقيقية تشمل مشاركة واسعة من القوى المعارضة والإقرار بحقوق كافة المكونات القومية والدينية وتثبيت حقوقها في الدستور وضمانات دولية بعدم العودة إلى نهج الأمني السابق وهي تحديات قد تنسف أي اتفاق في مراحله الأولى إذا لم تدار بحكمة.

 

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…