صلاح عمر
في لحظة يفترض أن تكون مكرّسة لرأب الصدع الوطني، وإعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب والاستبداد، يطلّ خطاب الكراهية من جديد، أكثر حدّة ووقاحة، موجّهًا هذه المرّة ضد الكورد في سوريا، كأن التاريخ لم يعلّم أصحابه شيئًا، وكأن البلاد لم تدفع بعدُ ما يكفي من الدم والخراب.
هذا الخطاب ليس عابرًا، ولا مجرد انفعالات على منصات التواصل أو زلات لسان في منابر إعلامية، بل هو مؤشر خطير على أزمة وعي سياسي عميقة، ومحاولة واعية أو غير واعية لإعادة إنتاج منطق الإقصاء، عبر شيطنة مكوّنٍ أصيلٍ من مكونات البلاد، وتحميله أوزار الفشل الوطني، أو تصويره كخطر داهم على “الدولة” و”الوحدة”.
الكورد في سوريا ليسوا طارئين على الجغرافيا ولا على التاريخ. هم جزء تأسيسي من هذا الوطن، دفعوا أثمانًا باهظة دفاعًا عن أرضهم، ووقفوا في الصفوف الأولى بوجه الإرهاب، وحموا مناطقهم ومناطق غيرهم حين انهارت مؤسسات الدولة وتفككت السلطة. ومع ذلك، يُكافَأ هذا الدور اليوم بخطاب تخويني، وتحريض قومي، ومحاولات ممنهجة لنزع الشرعية السياسية عن مطالبهم المشروعة.
إن أخطر ما في تصاعد خطاب الكراهية أنه لا يهدد الكورد وحدهم، بل يهدد فكرة الحل السياسي برمّتها. فلا يمكن بناء سوريا جديدة بلغة الإقصاء، ولا يمكن الحديث عن دولة جامعة في ظل عقلية ترى في التعدد عبئًا، وفي الشراكة خطرًا، وفي الحقوق القومية “امتيازًا” غير مقبول.
التجارب القريبة والبعيدة تقول بوضوح:
حين تُستبدل السياسة بالتحريض، والحوار بالتخوين، والاعتراف بالإلغاء، فإن النتيجة الحتمية هي الانفجار. فالصراعات لا تبدأ دائمًا بالرصاص، بل كثيرًا ما تبدأ بالكلمات، بالشعارات، وبالخطاب الذي يجرّد الآخر من إنسانيته ووطنيته.
إن مواجهة خطاب الكراهية اليوم ليست ترفًا أخلاقيًا، بل ضرورة وطنية ملحّة. وهي مسؤولية تقع على عاتق النخب السياسية، والإعلام، ورجال الدين، وكل من يملك منبرًا أو تأثيرًا. فإما أن نؤسس لخطاب عقلاني يعترف بالتعدد، ويؤمن بالشراكة، ويفتح الطريق أمام حل سياسي عادل،
وإما أن نواصل السير في نفق مظلم، نعيد فيه إنتاج أسباب الصراع، لكن بأسماء جديدة وواجهات مختلفة.
سوريا لن تستقر بإقصاء الكورد، ولا بتهميش أي مكوّن من مكوناتها.
الاستقرار يولد فقط من الاعتراف، والعدالة، والشراكة المتكافئة.
وما دون ذلك، ليس إلا هدنة هشة فوق فوهة بركان.