مسلم شيخ حسن – كوباني
منذ اللحظة التي استولى فيها حافظ الأسد على السلطة في سوريا كان واضحاً ان البلاد تدخل مرحلةً مظلمة ترسم حدودها بالقوة والبطش. فصعود هذه الزمرة لم يكن نتاج عملية سياسية طبيعية بوصفه نتيجةً مباشرة لسلسلة من الانقلابات العسكرية التي اتسمت بالعنف والدموية. وفي 16 تشرين الثاني 1970، نفذ حافظ الأسد انقلاباً أطاح فيه برئاسة صلاح جديد مستنداً إلى الجيش ليمسك أولاً بمنصب رئيس الوزراء قبل أن يكرس نفسه رئيساً للجمهورية عام 1971.
لم يكن الأسد الأب مجرد قائد جاء لتنظيم شؤون الدولة بل حاكماً مستبداً أحكم قبضته على كل مفاصل البلاد. وبصفته القائد الأعلى للجيش ورئيس الدولة بدأ بتصفية رفاقه وكل صوت قد يرى فيه تهديداً لسلطته محولاً سجون سوريا إلى مقابر صامتة لمعارضيه. ومع ترسيخ حكمه شرع في بناء نظام سياسي مفصل على مقاسه—دستوراً وقوانين ومؤسسات متجاهلاً تماماً تنوع المجتمع ومتطلبات الدولة الحديثة.
تركزت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية والإدارية والمالية في يديه فأصبح كل شيء في البلاد خاضعاً لسيطرته المطلقة. وظل هذا الوضع قائماً حتى وفاته في 10 حزيران 2000، حين تسلم ابنه بشار الأسد الحكم بلا خجل وارثا ليس فقط السلطة بل العقلية ذاتها وربما نسختها الأكثر جنوناً وتدميراً.
أحرق بشار الأسد ما تبقى من البلاد وشرد نصف سكانها وحول المدن إلى ركام وجعل من البلاد ساحة حرب لا تنتهي. ما نراه اليوم في أفعاله أو في مقاطع الفيديو المتداولة ليس إلا الوجه الحقيقي لهذه العائلة وجه لم يكن مخفياً يوماً لمن يعرف تاريخهم. ففاقد الشيء لا يعطيه ومن نشأ على القمع والكراهية وسفك الدماء لا يمكن أن يقدم للشعب سوى المزيد من المآسي.
لذا، لا تستغربوا سلوك آل الأسد ولا تندهشوا من أفعالهم فهذه طبيعتهم. إن فعلوا شراً فهو متوقع وإن فعلوا الخير وهو أمر نادر فحينها يجب أن نستغرب ونتفاجأ. فالإناء ينضح بما فيه ومحتوى هذا الإناء منذ استيلائهم على السلطة لم يكن إلا قذارة وقمعاً.
وها هي التسريبات الأخيرة التي خرجت إلى العلن حول المخلوع بشار الأسد تكشف للعالم حقيقة هذه العائلة: سلوك شاذ وانعدام ضمير واحتقار كامل للشعب السوري. فكل كلمة وردت في تلك المقاطع وكل حركة صدرت عنه لم تكن فضيحة جديدة بقدر ما كانت تأكيداً لما عرفه السوريون لعقود. لقد نطق الإناء بما فيه مرة أخرى، كاشفاً عن أساس نظام مبني فقط على الخداع وإراقة الدماء ولن يسقط عنه قناع العار مهما حاولوا تنظيفه.
10 /12/ 2025