هوزان عفريني
بعد أن دام حكم النظام البعثي الفاشي 63 عاماً، وحكم عائلة الأسد 55 عاماً، انتهى هذا الحكم في 8 ديسمبر من العام 2024، لتدخل الشعوب السورية مرحلة جديدة تشتم فيها هواء الحرية، ويشرق فجر الأمان. اذ تحررت سوريا من ظلمات السجون والمقاصل في فرع فلسطين وعدرا وصيدنايا وتدمر، ومن حكم جماعة البعث العروبي الشوفيني التي حكمت بالحديد والنار، وبهذا انتهى الظلام لتصبح سوريا حرة، بأهمية الدعم والتنسيق الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإسرائيل، وبمباركة بريطانية، الدولة التي تقود العالم سياسياً، وهي أقوى إمبراطورية عبر التاريخ.
أما العملية التي أدت إلى تفوق هيئة التحرير، فلم تكن ضد حكم بشار الأسد، إذ كان الاخير مجرد دمية بلا إرادة أو قرار، بينما كان حزب البعث هو الحاكم الفعلي، منقسماً بين العرب السنة والعلوية وقسم من الدروز.
كانت سوريا حينها أسيرة شخصيات حزب البعث، التي دمرت إرادة وأحلام الشعب السوري، وأفقدت البلاد خططها للتنمية والتطور وحب الحياة وأصبح حزب البعث كتلة سرطانية في جسد سوريا، التي كانت إحدى أهم دول المنطقة قبل حكم البعث الفاشي والناصرية.
الكورد ليسوا لاجئين في سوريا بل هم اصحاب الارض؛ في عهد الشخصيات الكوردية التي حكمت الجمهورية السورية بين 1932 و1954، كانت سوريا مختلفة، حيث كانت حرة، باسم الجمهورية السورية، دون الطائفية أو المذهبية، وكان للكورد الحق في الرئاسة دون اعتراض، بما يعكس أصالة الشعب الكوردي المسالم، ومن بين الرؤساء الكورد الذين حكموا الجمهورية السورية الحديثة: محمد علي بيك العابد (1932-1936)، حسني الزعيم (20 مارس 1949 – 14 أغسطس 1949)، فوزي السلو (1951-1953)، وأديب الشيشكلي (1953-24 فبراير 1954).
كان الوضع الاجتماعي بين الطوائف والقوميات طبيعياً، يسوده المودة والأخوة، دون أي شعارات أو استفزازات طائفية، ما يعكس روح الإنسانية والمساواة التي تبناها الشعب الكوردي، كما فعل صلاح الدين الأيوبي والرئيس العراقي الراحل مام جلال الطالباني.
حتى في العراق، يظهر الفارق جلياً بين حكم صدام حسين الديكتاتوري، الذي حكم بالحديد والنار، وبين حكم الرئيس الكوردي الراحل مام جلال الطالباني، الذي جمع كل القوميات والطوائف العراقية تحت مظلة الوحدة الوطنية، فكان محبوباً من الجميع واعتبر “صمام أمان” للعراقيين.
مرحلة ما بعد سقوط النظام البعثي
بعد سقوط النظام البعثي الدموي، الذي قاده العلويون والسنة معاً، تولت الطائفة السنية الحكم بقيادة هيئة تحرير الشام التي تتخذ صدام المقبور الذي قام بإبادة الشعب الكوردي في جنوب كوردستان- العراق رمزا لها ، التي هي نفسها جبهة النصرة، بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع اليوم) لمدة أربع سنوات. خرجت الشعوب السورية من كافة القوميات والطوائف إلى الشوارع تهنئ بتحرير سوريا من حكم البعث، لكن سرعان ما تغير الوضع، حيث بدأت الحكومة المؤقتة تُشكل أغلبها من الهيئة، وتم وضع دستور فردي من قبل جماعة الهيئة فقط، مع استبعاد باقي الطوائف والقوميات من المشاركة الفعلية في حكم سوريا. بدأت تظهر الطائفية والمذهبية والقومية، وتم مهاجمة الساحل السوري وجبل باشان، وبدأت الحملات الإعلامية ضد الشعب الكوردي المسالم، ما أدى إلى إهانة هذا الشعب العظيم، أحفاد صلاح الدين الأيوبي ويوسف العظمة وإبراهيم هنانو.
تحررت سوريا، ولم تتحرر عفرين
سقوط البعث يعني شروق فجر الحرية للسوريين، أما العفريني فلا يزال يعيش حياة صعبة، لم يذق طعم الحرية، بل قدم شهداء وجرحى، وتهجر من الشهباء إلى مناطق شرق الفرات التابعة لروجآڤاي كوردستان.
عفرين، التي كانت ملاذاً آمناً للعرب السنة المهجَّرين، استقبلتهم العائلات الكوردية بروح الأخوة والمساعدة، وكانوا يعيشون أفضل من غيرهم في سوريا، لكن بعد احتلال عفرين من قبل الجيش التركي والفصائل المسلحة، التي كان معظم أعضائها من تلك العوائل، دُمرت البنية التحتية، وغُرست النيران في غابات الزيتون، ودُمرت المواقع الأثرية مثل قلعة نبي هوري وعين دارا وجنديرس وراجو وشيبة.
اليوم، العفريني لا يستطيع امتلاك أرضه وزيتونه كما كان. لم يُسمح له بالدفاع عن أرضه، ومنع من استخدام لغته الأم، رغم أن عفرين كانت أول من أسس مدرسة وجامعة كوردية في روج آفا وسوريا. وتم تغييب المعالم التاريخية تحت ذريعة “التجديد والتحديث”، بما فيها قلعة نبي هوري، رمز أصالة الشعب الكوردي.
وبحسب تقرير “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” و”جمعية ليلون للضحايا”، تم قطع أشجار حراجية في 114 موقعاً في عفرين، منها 57 موقعاً تعرضت للقطع شبه التام، و42 موقعاً بشكل متوسط، و15 موقعاً بشكل جزئي. وبعد التهجير الثاني عام 2018 إلى الشهباء، تم تهجير العفرينيين إلى الطبقة والرقة وكوباني والجزيرة الكوردية. اذ أصبح العفريني بعد تحرير سوريا من النظام الديكتاتوري فاقداً لأرضه وممتلكاته، ولم يعد سوى قسم صغير ممن هُجّروا قسرياً.
سوريا تحررت، وعفرين لا تزال تدفع ثمن إنسانيتها تجاه السوريين الذين لجأوا إليها. سوريا تحررت، ومهجرو عفرين يعيشون تحت خيم الفقر والجوع والبرد. سوريا تحررت، ولا تزال أشجار عفرين تُقطع وتدمر البيئة الزراعية. سوريا تحررت، والعفريني يتمنى زيارة قبور أهله وأجداده، لكنه يموت حسرة على الأرض. سوريا تحررت، ولا يزال العفريني يحرس ممتلكاته خوفاً من سرقتها، بينما يعيش المستوطن برفاهية.
بالرغم من كل شيء، يبقى التفاؤل في سقوط النظام البعثي الدموي، لكن التشاؤم يسيطر من عدم تحرير عفرين و سريكاني و گريسپي. لن نحتفل حقاً إلا عندما تُدار عفرين وشريكاتي و گريسپي من قبل أبنائها الأصليين، وتستعيد جميع العائلات المهجرة حقوقها وممتلكاتها، ليُمثل العفريني و سريكاني و گريسپي إرادتهم الحرة.
لقد أسقط الكورد صور وتماثيل الأسد الأب منذ 2004، حين كان أصحاب السلطة الجدد يحاربون الكورد جنباً إلى جنب مع النظام البعثي، فهكذا نقول: تحررت سوريا.. وعفرين لم تتحرر بعد
٨-١٢-٢٠٢٥