أطيعوني ما أطعت الله فيكم!

ادريس عمر

شكّل انهيار النظام السلطوي في سوريا حدثاً مفصلياً في التاريخالسياسي المعاصر للبلاد، لاسيما أنه وضع حداً لأكثر من خمسة عقود منالحكم الأمني الذي اتسم بالاستبداد، وقمع الحريات، واختلال العلاقة بينالدولة والمجتمع. وقد جاءت هذه اللحظة بعد مسار طويل من الاحتجاجاتالشعبية التي بدأت عام 2011 ضمن إطار سلمي، رافعة شعارات الحريةوالكرامة والإصلاح السياسي، قبل أن تواجهها أجهزة النظام بالقوة المسلحةوالاعتقالات الواسعة واستخدام الأسلحة الكيميائية، الأمر الذي عمّق حالةالشرخ بين السلطة والمجتمع.

ومع سقوط النظام القديم وهروب رأسه إلى موسكو، شهدت البلاد موجةواسعة من التفاؤل الشعبي بإمكانية تأسيس نظام سياسي جديد يقوم علىالمواطنة والمساواة وسيادة القانون. غير أنّ مرور عام على هذه الانعطافةالتاريخية أظهر أن مسار التحول السياسي لم يتجه كما كان مأمولاً، وأنالتحديات البنيوية التي تواجه بناء الدولة لا تزال كبيرة.

ففي الذكرى الأولى للتغيير، ألقى رئيس السلطة الجديدة أحمد الشرع في الثامن من ديسمبر 2025 خطاباً ، استخدم فيه عبارة:

” أطيعوني ما أطعت الله فيكم”،

” فوالله لن يقف في وجهنا أي أحد مهما كبر أو عظم ولن تقف في وجهنا العقبات”

وهي عبارة تُظهر استمرار اعتماد خطاب يستند إلى الشرعية الشخصية أوالدينية، على حساب الشرعية الدستورية والمؤسساتية اللازمة في عملياتالانتقال الديمقراطي. ويُعد هذا النوع من الخطاب مؤشراً على غياب القطيعةمع الثقافة السياسية للنظام السابق، التي لطالما ربطت الطاعة بالولاءالفردي للحاكم بدلاً من الالتزام المتبادل بين السلطة والمجتمع وفق عقداجتماعي واضح.

إضافة إلى ذلك، برزت خلال العام الأول ممارسات مقلقة تمثلت في انتهاكاتطالت مكونات اجتماعية محددة، من بينها المكوّن العلوي والدُّرزي، إلى جانبتوجيه تهديدات ضمنية للمجتمع الكردي. وعلى الرغم من التصريحاتالرسمية التي تعلن احترام جميع المكونات السورية، فإن غياب الإجراءاتالفعلية على الأرض يشير إلى استمرار منطق الإقصاء السياسي وعدمالاعتراف بالتعددية، ما يضعف فرص بناء دولة جامعة ويقوّض ثقة المواطنينبمرحلة ما بعد الاستبداد.

إنّ التجارب المقارنة في دراسات التحول الديمقراطي تؤكد أن الانتقالالسياسي لا يتحقق بمجرد تغيير رأس النظام، بل يتطلب إعادة بناء شاملةللبنية المؤسسية والقانونية، وإرساء قيم المشاركة والمساءلة، واعتماد إطاردستوري يضمن المساواة ويعترف بالتنوع القومي والديني والمناطقي. وفيالحالة السورية، التي شهدت مستويات عالية من العنف والدمار والتهجير،يصبح تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وتبني نظام توزيع متوازنللسلطة، عناصر ضرورية لضمان عدم عودة الاستبداد أو انزلاق البلاد نحوالتفكك.

وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن سوريا اليوم بحاجة إلى عقد سياسيجديد

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أمل حسن الأمة الكوردية أمة عظيمة، وشعبها مكافح، اعتاد على مصاحبة الجبال وشموخها، واستمد شجاعته من صلابة صخورها. واجه الأعداء بكل شجاعة وعنفوان، عبر ثوراته المتلاحقة التي برهنت على جبروت هذا الشعب المناضل وإصراره على نيل حقوقه المشروعة في الحياة الحرة الكريمة. لقد قدم الشعب الكوردي عبر تاريخه الطويل قوافل من الشهداء، فغدت دماؤهم منارة تضيء درب الحرية لأجيال كوردستان،…

شادي حاجي في زمن تتسارع فيه التحولات السياسية والقانونية، وتتعمق فيه مفاهيم الدولة الحديثة ومبادئ المواطنة والمؤسسات، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن لحاكم في القرن الحادي والعشرين أن يخاطب شعبه بعبارات من قبيل: «أطيعوني ما أطعت الله فيكم، ولن يقف في وجهنا أحد مهما علا شأنه»؟ هذه العبارات وردت بالفعل في الكلمة التي ألقاها رئيس السلطة المؤقتة في دمشق –…

زينه عبدي في خضم المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا بعد أكثر من عقد من الأزمة العميقة، يظهر الإعلام كأحد أهم الأدوات قدرة على التأثير وفي بلورة وعي الناس بما يعيد ترتيب العلاقة بين المجتمع السوري والسلطة الانتقالية الحالية. لا يًعتبَر الإعلام أداة لنقل الخبر فقط، بل، ولا سيما في السياق السوري الجديد، هو المسهم الأول في تشكيل الأطر السردية بما…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* يمتلك كل إنسان، سواء شاء أم أبى، وسواء عَلِم أم لم يَعْلَم، أيديولوجيا. الأيديولوجيا هي مجموعة من الأفكار، المعتقدات، القيم، والصور التي تتراكم في ذهن الإنسان، كطبقات رسوبية، منذ اللحظة الأولى للولادة، وفي نقطة ما، “يختارها” المرء بوعي. المجتمع (الأسرة، البيئة، المدرسة، وسائل الإعلام، و…) وتجارب الحياة المرة والحلوة، جميعها تلعب دوراً في بنائها. حتى الشخص…