عام على سقوط نظام الاستبداد السوري.. المشهد الكردي ( ٢ – ٢ )

صلاح بدرالدين

حول المشاركة الكردية في المعارضة والثورة

     أولا – ليس خافيا وقوف الحركة الوطنية الكردية السورية منذ ظهورها مع الاستقلال ، والسيادة الوطنية ، وضد مختلف أنواع الظلم والاستبداد ، فلم يسمح  بمشاركة هذه الحركة يوما مع اية حكومة في السلطة والقرار ، بل صنفت دوما اما بالعدو او الخطر على امن الدولة ، وتعمقت معارضة تياراتها الأساسية منذ عام ١٩٦٥ لنظام البعث حتى سقوطه حيث تبنى ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي الكردي ) شعار تغيير النظام وناضل من اجل تحقيق ذلك الى جانب العديد من القوى السياسية السورية ، وباندلاع الثورة السورية وقف الوطنييون الكرد معها تجسيدا لمصالح الشعب الكردي في أي تغيير ديموقراطي ، وذلك من خلال تنسيقيات الشباب الكرد والوطنيين المستقلين في مختلف المناطق الكردية وفي مدن حلب ودمشق ، اما بشان موقف الأحزاب الكردية فقد ظهر متأخرا باشهر عن الحركات الشبابية ، فاتخذ بعضها اما موقفا مترددا من الثورة او اكثر ميلا او محايدا ، بخلاف فروع – ب ك ك – وتشكيلاته العسكرية التي وقفت مع النظام بل انتقل مسلحوها من – قنديل – الى سوريا لدعم النظام ومواجهة الثورة وذلك بتنسيق مباشر مع مداخلات من وسطاء إيرانيين وكرد عراقيين خصوصا المرحوم جلال الطالباني ، لذلك لم نستغرب قرار هذه الجماعات بمنع الاحتفال بالذكرى السنوية لسقوط النظام المستبد في مناطق سيطرتها .

   ثانيا – من حيث المبدأ الكرد السورييون شعب من سكان سوريا الأصليين ، ومن حقهم تقرير مصيرهم السياسي والإداري حسب صيغة توافقية في اطار سوريا الجديدة الموحدة تتحقق وتتخذ شرعيتها في المؤتمر الكردي السوري الجامع المنشود .

   ثالثا –  اما بشأن اتهامات الانفصال المزعوم فلا أساس لها  ، وكل ماهنالك ان بعض الأحزاب خصوصا التابعة ل – ب ك ك – تعمل من اجل مناطق تابعة لنفوذها الحزبي بمعزل عن سيرورة النضال الوطني الكردي ، واستراتيجيته المعلنة ، فقد حصل انقلاب عسكري من جانب مجموعات – ب ك ك – على التقاليد الوطنية الديموقراطية للحركة الكردية السورية الاصيلة والتاريخية تماهى مع تبني معظم الفضائيات المدعومة بالمال الخليجي مسار ومآل ذلك الانقلاب ، والتعامل معه كامر واقع من حيث اختيار المحاورين الكرد ، وتجاهل مسيس لأصحاب القضية الحقيقيين من مفكرين ومثقفين واعلاميين  بالإضافة الى محاولات نقل القضية الكردية السورية من موقعها الوطني والديموقراطي والإنساني الى خانة العنصرية ، والكراهية ، وحتى الفكاهية ، ومن الجدير بالذكر ان نظام الاستبداد البائد كان يعتبر القضية الكردية مسالة امنية بحتة أيضا .

  رابعا – وقعت جماعات – ب ك ك – السورية في خطا استراتيجي عندما عقدت -مؤتمر الحسكة في أغسطس/ آب الماضي (2025)، الذي عقدته “قسد”، لإعلان حلف الأقليات بصورة رسمية، وحضره ممثِّلون عن السويداء والساحل، وبمشاركة افتراضية عبر تقنية الفيديو من كلٍّ من الشيخ حكمت الهجري، ورئيس “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا” غزال غزال، وتضمَّن بيان المؤتمر الختامي المطالبةَ بدولةٍ لامركزيةٍ، يتمتَّع فيها الجنوب والشرق والساحل بحكم ذاتي.

  خامسا –  أحزاب ( البترو – نضال ) :،  هذه الأحزاب التي تعتاش على واردات النفط والغاز المنهوبة ، او على الواردات ذاتها من خارج البلاد  لاتمثل الإرادة الحقيقية للكرد السوريين ، بل تحمل اجندات خارجية على حساب المصالح الكردية السورية ، والشخصية الكردية السورية المستقلة ، ان ولاءات هذه الأحزاب ليست قومية كردستانية قامت على أسس مبدئية مدروسة ضمن اطار الحركة التحررية الكردية بالمنطقة بل مجرد اصطفافات حزبية محورية قصيرة الأمد ، ولمراحل معينة .

سادسا – اما مايتعلق بالقضية الكردية السورية فهناك الكثير الكثير مايقال ومن منطلق الحفاظ على الوحدة الوطنية ، والسلم الأهلي ، والشراكة المصيرية بين الكرد والعرب والسوريين جميعا ، وصيانة مصالح البلاد وسيادتها ، ووحدتها على الإدارة الانتقالية ورئيسها السيد احمد الشرع الاستجابة دون تأخير لرغبة الغالبية الساحقة من الوطنيين الكرد والسوريين في : ١ – إيجاد الحل السلمي السريع بشأن دمج قوات – قسد – وكل مايتعلق بالامور العسكرية ، والأمنية ، والإدارية ، ٢ – قبول ماجاء في مذكرة حراك ” بزاف ” المرفوعة للرئيس  في ٢٩ \ ٣ \ ٢٠٢٥ ( المنشورة بالاعلام  )  حول توفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع في العاصمة دمشق بمشاركة ممثلي جميع التيارات الفكرية ، والسياسية ، والاجتماعية ومن مختلف مناطقهم ، لاقرار المشروع الكردي للمصالحة ، والسلام ، وانتخاب من يتحاور مع الإدارة الانتقالية للتوصل الى حل توافقي للقضية الكردية ، اما تأخير الحل فلن يكون لمصلحة الوحدة الوطنية ، ومصالح الشعب السوري ، وتتحمل الإدارة الانتقالية مسؤولية عواقبها .

سابعا   –   ومن المفيد  التذكير في هذا المجال برؤية الوطنيين المستقلين الكرد  منذ البد اية ، وأثبتت الاحداث صحتها ، وهي : أولا –  فصل النضال الكردي السوري ، عن أجندة – ب ك ك – الخاصة ، وعدم تحويل القضية الكردية السورية الى مسألة صراع عسكري مع الدول المجاورة ، والتشديد على طابعها الوطني السلمي ، ثانيا – التمييز بين نهج التنسيق والعمل المشترك والاحترام المتبادل مع العمق الكردستاني ، وبين التبعية وفقدان استقلالية القرار ، ثالثا – عدم ادراج القضية الكردية السورية في خانة ( الأقليات ) الدينية ، والمذهبية ، فهي قضية قومية تتعلق بشعب من سكان سوريا الأصليين ، وبالشراكة ، والتمتع بالحقوق ، والعيش المشترك بضمانات وعقود دستورية في ظل نظام ديموقراطي تعددي ، رابعا – أولوية الحوار مع الإدارة الانتقالية الحاكمة بدمشق وصولا الى حلول توافقية ، وعدم الارتهان الى القوى الخارجية التي تسعى وراء مصالحها ، او التورط في استدعاء الأطراف المعادية لبلادنا والاستقواء بها.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عبداللطيف محمدأمين موسى إن القراءة المنهجية في التحليل الاستراتيجي لسير الأحداث، وجملة المتغيرات الدراماتيكية في المشهد السوري العام من خلال عاماً على سقوط نظام بشار الأسد الطاغية، تجسد الفرحة المنقوصة أو النصر الغير المكتمل لدى السوريين، في ظل عجز السلطة الإنتقالية في دمشق، عن تحقيق أدنى متطلبات الحوار الوطني والمصالحة الداخلية التي تشكل الركيزة الجوهرية في البنية الحيوية لبناء…

حسن خالد في الثامن من “ديسمبر” كانون الأول ٢٠٢٤، وقبل عامّ بالتحديد، كنتُ في مهمة عمل في منطقة شبه مقطوعة عن العالم “لا إنترنت متوفر” وأن توفر ففي حالة ضعف، وكذلك “ضعف شديد في شبكة الهاتف الخليوي حدّ الملل” لذا لم أكن اعرف مجريات الأحداث السورية هاتفني أخٌ عزيز مساءً، ليطمئن على صحتي و وضعي، و لِيُبشرني ب “فرار…

بروفيسور سربست نبي طالما ليس هنالك أي إنجاز سياسي يستحق الذكر والإشادة، طوال عام، فيمكن ببساطة شديدة إلهاء السوريين وصرف انظارهم عن التقهقر الشامل والاخفاقات والمآسي، التي عاشوها في ظلّ النظام الجديد، عبر نشر تلك الفيديوهات المثيرة للنظام القديم، الذي تفسخ قبل عام. كل ذلك لإشغالهم في مثل هذا التوقيت بالذات عن القيام بمحاكمات عقلانية ومراجعة نقدية لعام من الأوهام…

سمكو عمر لعلي منذ فجر التاريخ، ومنذ أن رفعت القوميات راياتها فوق خرائط الشعوب، لم يقدر أحد على إخماد جذوة الصراع بالقوة وحدها، ولا استطاع بطشٌ أو سيفٌ يُسكت صوتاً أو يُلغي آخر. وكل دربٍ سلك العنف سبيله لم يُخلّف إلا قتلاً ودماراً ومواكب من المشردين، حتى أثقلت الأرض بذكريات الدم، وامتلأت الصدور بجراحٍ عصيّة على الشفاء. وها نحن اليوم،…