شكري بكر
لنقلها صراحة، ما من ازمة كوردية واحدة فحسب، بل هناك تداخل معقد بين الظروف الذاتية والموضوعية، وتشابك مصالح التدخل الخارجي والداخلي في الشؤون الداخلية للحركة الكوردية عموما والحزبية خصوصا. ومن لا يمارس اللامركزية في حياته الحزبية لا يحق له المطالبة بنظام لا مركزي.
لنسأل بصراحة: ما الذي يجعل الشعب الكوردي في المنطقة عاجزا عن الوصول الى حل لقضيته العادلة والمشروعة حتى الان؟
ان عدم التوصل الى حل جزئي او شامل للقضية الكوردية يعود لاسباب خارجية وداخلية.
الاسباب الخارجية
هو تدخل الانظمة التي الحقت بها الاجزاء الكوردستانية في منطقة الشرق الاوسط في الشؤون الداخلية للحركة السياسية الكوردية في الاجزاء الاربعة.
الاسباب الداخلية
هو تدخل بعض القيادات السياسية الكوردية في الشؤون الداخلية لاحزابهم باشكال مختلفة. ويمكن الاستنتاج ان التدخلين الخارجي والداخلي يلتقيان عند نقاط مشتركة: الاول لتعطيل عمل الحركة الكوردية عموما، والثاني لتعطيل الية عمل كل حزب على نحو خاص.
ان مهام القيادات الكوردية في الحركة السياسية هي اعداد خطط وبرامج للنضال الكوردي والعمل من اجل انتزاع حق تقرير المصير، لا التدخل في الشؤون الداخلية لمسار العمليات الحزبية. فاعداء الكورد كثر، وينظرون الى القضية الكوردية بنظرة موحدة اساسها انكار الوجود التاريخي للشعب الكوردي. بينما كثير من القيادات الكوردية لا تنظر الى العدو المشترك برؤية موحدة. بعضهم ينظر الى العدو، وبعضهم الاخر ينشغل بالتنظيم عبر التدخل في سير العمليات الحزبية، سعيا لاحداث ترقيات او تعيينات لاعضاء غير فاعلين على حساب اخرين اكثر جدية واخلاصا وفاعلية على الصعيدين السياسي والتنظيمي والجماهيري.
هذه التدخلات لا تخدم القضية الكوردية، بل تحافظ على مصالح شخصية او فئوية ضيقة، وتتيح للبعض البقاء لاطول فترة ممكنة في مواقع القيادة، وهو ما يتناقض كليا مع نضال الشعب الكوردي من اجل حق تقرير المصير الذي لا يرتبط باشخاص او احزاب محددة.
هذا السلوك يعبر عن حسابات ضيقة لمراحل حزبية منتظرة تتطلب مراجعات ذاتية وتجاوز اخطاء الماضي والارتقاء بالعملية الحزبية سياسيا وتنظيميا. وكان حق تقرير المصير متوقفا على ترقية هذا او ابعاد ذاك، وهذا ما يدفع للاعتقاد ان القضية الكوردية في واد والممارسات القيادية في واد اخر.
من الطبيعي ان مثل هذه الممارسات لا تؤدي بالشعب الكوردي الى تحقيق حقه في تقرير المصير. فالممارسات الخاطئة تفضي الى نتائج خاطئة. وما يقدم عليه بعض القيادات في الجانب التنظيمي يؤدي الى خلافات عميقة داخل الحركة، تبدأ بزحزحة استقرار الحزب وخلق اجواء تكتلية ترفض قرارات الاغلبية، مما ينتج عنه انقسام وتشتت وتشرذم داخل الصف الكوردي، وهو ما ينعكس سلبا على النضال القومي.
وقد تحولت هذه السلوكيات الى ثقافة لدى بعض القيادات، ربما ورثوها منذ ستينيات القرن الماضي، بدءا من انشقاق جلال الطالباني عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني العراق، وانشقاق الحزب الديمقراطي الكوردستاني سوريا بين اليمين واليسار، ثم الانشقاقات المتتالية في مختلف الاجزاء.
ان الشعب الكوردي يمكن ان يحقق حقه في تقرير المصير عندما تتغلب القيادات الكوردية على هذه الثقافة، وتتخلى عنها، وتبعد كل ما يلحق الاذى بالحركة الكوردية، وتخضع الاقلية لرأي الاغلبية، وتحترم الاغلبية رأي الاقلية، ويتمسك الجميع بالمصلحة القومية العليا، ويعملون على عقد مؤتمر كورديا شاملا لانجاز المشروع القومي وانتخاب من يمثلهم في المحافل الاقليمية والدولية.
اخيرا
-
يمكن القول ان الحركة السياسية الكوردية لم تخل من نفوذ الانانية، ونتيجة تمسك البعض بهذه الانانية ربطوا مصالحهم بمصالح اعداء الكورد، ولا يزال الشعب الكوردي يدفع ثمن ذلك.
-
من الواضح ان القرارات داخل الاحزاب الكوردية تصدر بشكل مركزي، ومن لا يمارس اللامركزية داخل حزبه يصعب عليه المطالبة بنظام لا مركزي قبل ادخال تعديلات على برامجه السياسية، وهذا يشمل جميع احزاب الحركة السياسية الكوردية.