بيان من المكتب التنفيذي في الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا
يلاحظ المكتب التنفيذي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، بأسفٍ عميق ومسؤول، تفاقم وتيرة موجات التحريض ضد الكرد في الأسابيع الأخيرة، تحت الذريعة نفسها التي تتبدّل عناوينها ولا يتغيّر مضمونها. إذ تتكاثر المنابر التي تستسهل الاتهام، وتعيد إنتاج خطابٍ لا يهدف إلى الفهم بقدر ما يهدف إلى صناعة خصومةٍ مجانية رخيصة، فيما تعجّ منصّات الإعلام بصوتٍ واحد يحرّض، ويعيد تدوير أخطاءٍ معروفة، وكأن لها حصانةً غير معلنة.
ما يضاعف خطورة هذا المناخ أنّ بعض ممّن يُفترض انتماؤهم إلى بيئة الإعلام المهنية صاروا جزءاً من هذه الحملات، يرفعون منسوب الشحن بدل أن يرفعوا مستوى النقاش، ويستسهلون استهداف الكرد بوصفهم طرفاً يمكن رميه بما تشاءه اللحظة. ويكفي، لدى بعضهم، أن تكون الحكومة المؤقتة قد تجاهلت الكرد في دستورها المقترح، وفي ما سمّي بالمؤتمر الوطني المزعوم، وفي كل ما تعلن عنه من هياكل، حتى يصبح ذلك الذريعة الجاهزة لتسويغ العداء، وكأن الإقصاء الرسمي يجيز الإقصاء المجتمعي ويمنح ضوءاً أخضر لكل من يرغب في الترويج لخطابات تستهدف مكوّناً كاملًا من السوريين.
يدرك الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا أنّ تجاهل ممثلي الحركة الكردية في أي صياغة وطنية ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو تأسيس لرؤية ناقصة عن الوطن، رؤية تُقصي مكوّناً أصيلاً وتدّعي في الوقت نفسه تمثيل الجميع. وهذا التجاهل- سواء أكان عن جهل أم تواطؤ أم حسابات صغيرة- هو الذي يفتح الباب أمام خطاب التعبئة، ويمنح البعض جرأة العداء لأنهم يشعرون بأن الإطار الرسمي يوفّر لهم حماية ضمنية.
إنّ ما نواجهه اليوم ليس مجرّد سوء تعبير أو جهلٍ بتاريخ الكرد ودورهم، بل هو نشرٌ ممنهج لثقافة تمهّد لحربٍ أهلية باردة: ثقافةٍ تُدرَّس يومياً عبر التلميح، وعبر التكرار، وعبر الجوائز التي تُمنح لكل من يحرّض، ولكل من يكرّس صورة مشوّهة عن الكرد، ولكل من يتعامل مع الكرامة الإنسانية باعتبارها ورقة قابلة للمساومة.
إنّ مكافأة المحرّضين، والتغاضي عن خطاب الكراهية، وعدم محاسبة من يكرّس الانقسام، ليست مجرد أخطاء. إنها إرساء مدروس مدفوع به لتكريس وهيمنة ذهنية عنصرية تتحرك تحت أسماء مختلفة: مرةً باسم “الحفاظ على الوحدة”، ومرةً ثانية باسم “محاربة الانفصال”، ومرةً ثالثة باسم “التوازن الوطني” ، وهكذا بينما نجد جوهر كل ذلك هو تكريس “الآخر” في صورةٍ مبتسرة لا تمتّ إلى الواقع أو التاريخ بأية صلة.
من هنا، يعلن المكتب التنفيذي في الاتحاد العام أنّ مسؤوليته الثقافية ليست في الردّ على خطاب الكراهية بقدر ما هي في كشف بنيته، وتفكيك آلياته، وتسمية الأشياء بأسمائها. إذ إنّ الثقافة السورية لن تكون ثقافة وطنٍ جامع ما لم تُلغَ الحواجز المصطنعة، وما لم يُعترف بكل مكوّن بوصفه شريكاً كامل الشراكة، لا هامشاً ولا طارئاً ولا “مشكلة أمنية”.
يدعو الاتحاد جميع الزملاء في الوسط الإعلامي والثقافي- عرباً وكرداً وسرياناً وآشوريين- إلى حماية ما تبقّى من المجال العام من الانزلاق نحو خطابات الثأر الرمزي، وإلى رفض المشاركة في الحرب الباردة التي تُصاغ اليوم عبر الشاشات، والتي إن تُركت بلا مواجهة فستتحول إلى واقع يشبه الكارثة.
ويؤكّد المكتب التنفيذي أنّ الكتّاب والصحفيين الكرد سيواصلون أداء دورهم الأخلاقي والوطني في الدفاع عن الكلمة الحرة، وعن قيم العدالة والمساواة، كما كانوا في عموم مراحل مواجهتهم للدكتاتورية والعنصرية في بلدهم، و في الدفاع عن صورة بلدهم لئلا يكون فيها مكان للتحريض و التمييز، مهما تغيّرت السلطات وتبدّلت المؤتمرات وتعددت الوثائق.
سوريا التي نحلم بها تحتاج إلى شجاعة في الاعتراف، لا إلى براعة في الإقصاء. وتحتاج إلى ثقافةٍ تُداوي الشرخ، لا إلى خطابٍ يوسّعه. وتحتاج قبل كل شيء إلى مسؤولية تمنع تحويل الكلمة إلى وقود فتنة، بل تجعل من الكلمة جسراً لا متراساً.
المكتب التنفيذي
الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا
29.11.2025