عندما تتحوّل الإساءة إلى خطاب كراهية

خالد حسو

ما يُروَّج له تحت مسمّى “حرية التعبير” يفقد مشروعيته فور تحوّله إلى إساءة ممنهجة، وانتهاكٍ لفظي للأعراض، واستخدامٍ مبتذل للغة، إضافة إلى التحريض على الأديان والمعتقدات. هذا النمط من الخطاب لا يُصنَّف رأيًا، بل يندرج بوضوح ضمن خطاب الكراهية الذي يُدان أخلاقيًا ويُساءل قانونيًا وفق المعايير الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.

اللغة في العمل السياسي والإعلامي ليست تفصيلًا شكليًا، بل معيارٌ للمسؤولية العامة. وعندما يعجز الخطاب عن تقديم الحُجج، يلجأ إلى الإهانة بوصفها أداة إقصاء، في تعبير صريح عن فشلٍ سياسي وانحدارٍ أخلاقي.

وفي هذا السياق، فإن شعبنا الكوردي ليس طرفًا طارئًا في التاريخ ولا عبئًا على الجغرافيا. نحن شعبٌ أصيل، صاحب لغة وهوية وثقافة وذاكرة جمعية، قدّم عبر عقود طويلة تضحيات جسيمة في سبيل البقاء والحرية والكرامة الإنسانية. قضيتنا ليست نزوة سياسية ولا ادّعاءً عابرًا، بل قضية قومية وإنسانية عادلة، تتأسس على حقٍ طبيعيّ ومشروع في تقرير المصير، أسوةً بجميع شعوب العالم، كما نصّت عليه الشرائع الدولية.

كرامة الكورد ليست محل تفاوض أو سخرية. هي حقٌ ثابت، غير قابل للانتقاص أو التشويه. والاعتداء اللفظي على رموزنا أو تشويه هوّيتنا أو تحقير أعمال أبنائنا الشريفة لا يمسّنا بقدر ما يكشف خواء الخطاب الذي يمارسه، ويضعه في خانة التمييز والإقصاء.

إن العمل الشريف، مهما كان متواضعًا، هو تعبير عن إرادة الحياة، ولا يشكّل عيبًا قانونيًا أو اجتماعيًا. العيب الحقيقي هو تحويل لقمة العيش إلى أداة تحقير، واستعمالها للطعن في كرامة شعبٍ ناضل طويلًا من أجل حقوقه الأساسية.

إن استهداف الهوية الكوردية أو السخرية من نضالها لا يدخل في إطار النقد المشروع، بل يمثّل ممارسة تمييزية تُغذّي الكراهية وتُهدّد السلم المجتمعي. ومواجهة هذا الخطاب ليست مسؤولية أخلاقية فحسب، بل واجب سياسي، وإعلامي، وقانوني، دفاعًا عن الحق، وعن الكرامة الإنسانية، وعن مستقبلٍ قائم على العدالة والاعتراف المتبادل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…