عودوا إلى الرشد… فالوطن لم يعد يحتمل ثقافة الكراهية

مسلم شيخ حسن – كوباني 

حان الوقت لنتحرر من الجهل والكراهية اللذين زرعا في نفوس السوريين على مدى عقود طويلة من حكم آل الأسد. فهذه الثقافة التي ما زال البعض ينهل منها لا تخدم الوطن ولا الشعب السوري لا حاضراً ومستقبلاً. بل كانت ولا تزال ثقافة تدميرية بكل المقاييس. لقد أودى هذا النظام الفاسد بحياة ملايين الأشخاص من جميع مكونات الشعب السوري عرباً وكرداً وسرياناً وغيرهم. كما شرد نصف سكان البلاد إلى أصقاع  الأرض .

الشعب الذي يجري اليوم التشكيك بقيمته ووجوده هو من أحد أقدم شعوب المنطقة وأكثرها إسهاماً في بناء الحضارة . أسس الكرد  إمبراطوريات كالميتانية والميدية  وبنوا حضارات تركت بصمة لا تمحى في تاريخ الشرق. حرروا دولاً كثيرة من نير الاحتلال وعلى يد القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي حررت القدس من الصليبيين. لا يزال الشعب الكردي يدفع ثمن تلك الملحمة التاريخية حتى يومنا هذا. كما تصدى الكرد لموجات الاحتلال العديدة التي شهدتها المنطقة ووقفوا سداً منيعاً في وجه تمددهم.

في العصر الحديث لا يمكن لأي عاقل أن يتجاهل دور الشخصيات الكردية في النضال الوطني التحرري في سوريا. فالبطل يوسف العظمة وزير الحرب السوري الذي استشهد في معركة ميسلون وأحمد بارافي  أول من رفع العلم السوري فوق مبنى البرلمان ومحي إيبو شاشو من عفرين الذي أطلق أول الرصاصة ضد الاحتلال الفرنسي وإبراهيم هنانو وغيرهم من المناضلين الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن سوريا جميعهم كانوا من أبناء الشعب الكردي.

 وفي الآونة الأخيرة دحر أبناء الشعب الكردي أحد أعتى التنظيمات الإرهابية التي عرفها العالم هو تنظيم (داعش). ففي كوباني، مدينة المقاومة هزم الإرهاب واضطر إلى التراجع إلى آخر معاقله في الباغوز حيث قضى المقاتلون الكرد على آخر فلوله ودمروا مخابئه دفاعاً عن قيم الإنسانية وعن العالم بأسره .

ورغم هذا التاريخ العريق لا يزال بعض الحاقدين والعنصريين يحاولون النيل من دور الكرد أو الانتقاص من وجودهم باستخدام عبارات نائية لا تليق بتاريخ شعب قدم أعظم رموز التحرر في الشرق. فالكرد هم أحفاد كاوا الحداد، الرمز الأسطوري الذي حرر شعوب المنطقة من ظلم أزدهاك وهو رمزٌ متجذر في الوعي التاريخي للشرق ومرادف لرفض الظلم وانتصار العدالة. وإن محاولة تهميش هذا الشعب أو التقليل من شأنه ليست سوى امتداد لخطاب الإقصاء الذي زرعه الاستبداد وهو خطاب بات مكشوفاً مرفوضاً في زمن الوعي التحرري.

ان مستقبل سوريا لايمكن أن يبنى على ثقافة الالغاء بل على عقد وطني جديد يقوم على الديمقراطية واللامركزية والاعتراف المتبادل بين العرب والكرد والسريان وسائر المكونات. إن التجربة المريرة مع نظام الأسد يجب أن تكون درساً واسع النطاق لا خلاص للسوريين إلا بالعيش المشترك في دولة تحترم حقوق جميع شعوبها وفقاً للعهود والمواثيق الدولية.

 

30/ 11 / 2025

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…