المحامي حسن برو
شهد إقليم كردستان مؤخراً هجوماً استهدف حقل كوزمو للغاز في محافظة السليمانية، وهو ليس الهجوم الأول وربما لن يكون الأخير ، و ما أعاد فتح النقاش حول طبيعة الصراع على مصادر الطاقة في العراق، وحول الأطراف الإقليمية المستفيدة من زعزعة قطاع الغاز في إقليم كردستان وإيقاف إنتاجه ولو مؤقتاً ،ورغم تعدد الفرضيات فإن تحليل المستفيدين يظهر خيوط واضحة في خلفية هذا الاستهداف ان تعطيل الإنتاج وتعزيز حاجةالدائمة للاستيراديؤدي لوقف إنتاج الغاز في إقليم كردستان بشكل مباشر إلى زيادة اعتماده على الاستيراد الخارجي في وقت يسعى فيه الإقليم لتقليل التبعية وتعزيز استقلاليته والاعتماد على الطاقة ذاتية من إنتاجها، إذا أن أي تعطيل في الإمدادات المحلية يُضعف قدرة الإقليم على إدارة ملفه الاقتصادي، ويضعه أمام حاجة متزايدة لتأمين الغاز من دول مجاورة تمتلك فائضا ترغب في بيعه وتسويقه باقل التكاليف وبسعر اعلى من السوق المعتمدة ، كما ان الهجوم يأتي في مرحلة حساسة تتعلق بالاتفاق النفطي بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية ، لذلك يمكن النظر إلى استهداف حقل غاز رئيسي باعتباره محاولة لإرباك هذا التفاهم، وإعادة خلط الأوراق بين الطرفين، وإضعاف أي مسار يهدف إلى تنظيم العلاقة النفطية بعيداً عن التأثيرات الإقليمية.
ولكن بقراءة بسيطة يمكن استبعاد لاعبين إقليميين وابقاء طرف واحد في دائرة الاشتباه فمن المنطق عند تحليل الأطراف الإقليمية المحيطة وقراءة الأمور بتأني، يمكن استبعاد بعض اللاعبين الرئيسيين:
فتركيا: تعد من أكبر المستفيدين من نفط وغاز كردستان، ولا مصلحة لها في زعزعة منشأة طاقة كبيرة مثل حقل كورمور تمس مصالحها التجارية والاقتصادية.
وسوريا لا تملك القدرة أو المصلحة نظراً لضعف إنتاجها وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على معظم حقولها النفطية ووجود علاقة ابجابية بين إقليم كردستان والإدارة الذاتية والتقارب بينهما والأجواء الإيجابية من مبادرة ( بهجلي -اوجلان ) بشأن إيجاد خارطة الطريق لحل القضية الكردية من خلال نظرية المجتمع الديمقراطي الذي يؤمن به حزب العمال الكردستان وبدأ بخطوات عملية رمزية (( إحراق سلاح ، والانسحاب من مناطق محددة))
وبذلك يضيق نطاق الشبهة ليبقى طرف إقليمي واحد يملك الدافع والقدرة.
وهنا فقط بقيت الأصابع تتجه نحو إيران كونها أكثر المستفيدين المحتملين من تعطيل قطاع الغاز في الإقليم وذلك لأسباب متعددة:
- تعزيز صادراتها إلى العراق أي تراجع في إنتاج كردستان يعني زيادة اعتماد بغداد على الغاز الإيراني، وهو ما يكسب طهران قوة تفاوضية واقتصاد أكبر سواء في اقليم كردستان او العراق عامة .
- امتلاك أدوات التنفيذ مثل” الحشد الشعبي” و فصائل مسلحة مرتبطة بإيران تتحرك في محافظات عراقية متعددة، ولديها القدرة على تنفيذ عمليات نوعية تخدم المصالح الإيرانية.
- التأثير على ملف الطاقة بين بغداد وهولير يمثل ضرب الثقة بين الطرفين لمصلحة طهران التي لا ترغب برؤية اتفاقات مستقرة تقلص نفوذها.
- اما في البعد الأمني والسياسي تعتبر إيران أن تقوية القوى الكردية أو السنية في العراق قد يقيد تمددها الإقليمي، ولذلك لا تتردد في استخدام ملف الطاقة كأداة ضغط استراتيجية.
كما ان لايران نفوذعميق في مؤسسات الدولةوتعتمد طهران عليها في تمدد نفوذها داخل العراق على وجود حلفاء أقوياء في مواقع سياسية وتشريعية وقضائية. وهذا التغلغل يمنحها هامش تأثير كبير يسمح لها بتوجيه مسار ملفات حساسة كملف الطاقة، سواء عبر القرارات أو عبر السماح بعمليات ميدانية تؤثر على الموارد
بالنهاية ان الهجوم على حقل كورمور للغاز من زاوية “المستفيد” تكشف أن إيران تمثل الطرف الأكثر قدرة ودافعاً لتحقيق مكاسب من زعزعة قطاع الطاقة في إقليم كردستان ، فالمعادلة لا تنفصل عن صراع النفوذ الإقليمي، ولا عن رغبة طهران في الحفاظ على اعتماد العراق على الغاز الإيراني، ومنع أي معادلة داخلية تُضعف نفوذها أو تقوّي خصومها من القوى الكردية أو السنية.
هذا الهجوم إذا ليس حدثاً معزولاً، بل جزء من صراع أوسع على الطاقة والقرار السياسي في العراق.