حسين موسى
بدأت الساحة السورية تشهد تحرّكات جديدة تعيد إلى الأذهان أجواء عام 2011، لكن مع اختلاف واضح في طبيعة المطالب واتجاهات الشارع. فبينما كانت الحرية والكرامة هي العنوان الأكبر للثورة الأولى، ترتفع اليوم شعارات مختلفة تتمحور حول الفيدرالية واللامركزية. هذه الدعوات انطلقت أولاً من غربي كوردستان، ثم انتقلت إلى الدروز تحت شعار الاستقلال، قبل أن تصل أخيرًا إلى الساحل السوري. وهكذا تغيّر المزاج العام من المطالبة بالحرية فقط إلى المطالبة بإعادة بناء شكل الدولة نفسها.
ويبدو أن البلاد تدخل مرحلة جديدة من الثورة؛ مرحلة تتقدّم فيها مطالب الفيدرالية أو اللامركزية رغم أن المطلب الأول — الحرية — لم يتحقق بعد. وكأن الثورة انتقلت من هدفها الأساسي إلى هدف ثانٍ فرضته التحولات العميقة في السياسة والمجتمع.
وتشير الكثير من القراءات السياسية إلى أن إيران لعبت دورًا حاسمًا في تحريك المظاهرات الأخيرة في الساحل، وبدعم وتنسيق مع تركيا، وذلك في محاولة لمنع أي تقارب محتمل بين الحكومة السورية والكورد في سوريا. هذا التدخل يعكس حجم الصراع الإقليمي على مستقبل البلاد، ومحاولة كل طرف الحفاظ على مناطق نفوذه ومنع الآخرين من تحقيق مكاسب استراتيجية جديدة.
في المقابل، أرسلت الولايات المتحدة إشارات سياسية لافتة عبر تعليق بعض العقوبات وقانون قيصر، إضافة إلى دعم خليجي واضح، خصوصًا من السعودية. أمّا تركيا، فتمرّ بمرحلة توترات صعبة في علاقتها مع روسيا بعد أن عقدت صفقة مع الولايات المتحدة ضد موسكو. وفي الوقت ذاته، تجد إيران نفسها وقد فقدت جزءًا كبيرًا من حصتها داخل سوريا رغم دعمها للنظام طوال سنوات الحرب، ما جعل تحركاتها الأخيرة أكثر حدة واندفاعًا.
كل ذلك يحدث بينما فشل النظام السوري في تقديم أي حلول حقيقية تُنهي الأزمة أو تقنع الشارع بجدوى بقائه، مما زاد من حالة الاحتقان وفتح الباب واسعًا أمام موجة جديدة من المطالب الشعبية.
وبذلك تبدو سوريا وكأنها تقف أمام ملامح تقسيم جديد بدأت تظهر بوضوح في الأفق، تقسيم تتشكل مكوّناته من الكورد والدروز والشيعة والسنة، بما يعكس تحولات السياسة العالمية الراهنة. ورغم هذا المشهد المعقد، إلا أن الولايات المتحدة ما زالت تُظهر قبولًا باستمرار الرئيس السوري، على الأقل في المرحلة الحالية. لكن استمرار التعاون الإيراني التركي قد يدفع الحكومة السورية إمّا إلى الاستجابة لمطالب الشارع، وإمّا إلى محاولة قمع المظاهرات، وهو خيار خطير قد يؤدي إلى فقدانها للدعم الأميركي والأوروبي، ويدفع البلاد نحو حرب أهلية جديدة وانهيار شامل.ومهما تعددت السيناريوهات وتنافست القوى الإقليمية والدولية على الأرض السورية، تبقى الحقيقة الأوضح أن الشعب هو المنتصر في النهاية. فالتاريخ يثبت دائمًا أن إرادة الشعوب، مهما طال الزمن، هي التي تُعيد رسم الخرائط وتصنع المستقبل وتفرض واقعها على كل اللاعبين