ريزان صالح إيبو
قد يكون قدر الشعب الكوردي تمزيق أراضيه بين أربع دول معادية، التي تختلف فيما بينها، ولكن تتفق عندما يتعلق الأمر بقضيتهم العادلة. ما حمله الشعب الكوردي على مدى مئة عام من قتل ودمار وهجرة، لم يحدث له مثيل في التاريخ. شعب مُنع حتى من التفكير بلغته، بل حتى أحلامه كانت تتعرض للمحاسبة إذا لم تكن بلغة المحتلين.
من رحم المستحيل خرج قادة هنا وهناك، واتخذوا على عاتقهم أعباء ثقيلة تفوق الجبال، وتوازي الفرات دماً. كما يقول الفنان الثوري شفان برور: «منهم من تعب باكراً ولم يستطع إكمال المشوار». أما أولئك الذين أكملوا المسيرة، فقد كانوا بمثابة الأوكسجين الذي أمد الأمة بالحياة، وأهمهم الرئيس مسعود بارزاني. ففي مواجهة التحديات، يظهر الرئيس بارزاني كأيقونة حقيقية للثبات، ويتحلى برؤية استراتيجية تمكنه من تحويل الأزمات إلى فرص عظيمة لشعبه.
منذ أيام، كشف وزير الخارجية التركي الأسبق أحمد داوود أوغلو، عن طلب تقدمت به حكومة بشار الأسد للأتراك خلال انتفاضة 12 آذار 2004، للمشاركة في قمع المناطق الكوردية. إلا أن تركيا رفضت هذا الطلب، لعلمها بردّ فعل الشعب الكوردي في كوردستان العراق، وهو ما كان السبب الرئيسي لقرار الرفض. في تلك الفترة، كانت العلاقات بين تركيا وإقليم كوردستان العراق متوترة، وكان الأتراك يدركون تماماً أن أي تدخل في الشأن الكوردي سيؤدي إلى تبعات غير محسوبة، بما في ذلك ردود الأفعال القوية من الشعب الكوردي في المنطقة.
من هنا برزت حكمة الرئيس مسعود بارزاني، الذي كان دائماً قادراً على تحويل الأزمات إلى فرص. ففي ظل هذه الظروف الصعبة، أدركت تركيا أن التدخل في الشأن الكوردي لن يكون في مصلحتها، كما أظهرت الحكمة الكوردية في اتخاذ مواقف حاسمة تستند إلى القوة السياسية والقدرة على الحفاظ على حقوق الشعب الكوردي.
وفي سياق مشابه، كان الرئيس بارزاني قد صرح في وقت سابق أن التدخل التركي في شؤون كركوك، وهو موضوع حساس بالنسبة للكورد، سيقابل بتدخل كوردي في آمد وباقي المدن الكوردية الواقعة تحت الاحتلال التركي والتي يعيش فيها ملايين من الشعب الكوردي. هذا التصريح يعكس التزام الرئيس بارزاني بحماية حقوق الشعب الكوردي في جميع الأماكن التي يتواجدون فيها، ويعكس استراتيجيته الثابتة في الحفاظ على وحدة الشعب الكوردي، وضمان ألا تُمس حقوقهم تحت أي ظرف. وهذا ليس غريباً عن الرئيس بارزاني الذي قال: «إن ما قدمته لأربيل قدمته لكوباني».
كثيراً ما تعرضت الحركات والأحزاب السياسية التي تمثل التيار القومي الكوردي للإقصاء والتهميش والقمع من قِبل الإدارة الذاتية. ومع ذلك، لعب الرئيس بارزاني دور الوسيط بحكمة بين الأطراف المتنازعة، بل كان من أبرز إنجازاته فتح معبر بين جزأي كوردستان في سوريا والعراق، الذي أصبح منذ اليوم الأول شرياناً رئيسياً للحياة في الجزء الكوردستاني الملحق بسوريا.
عندما كان الإعلام التابع للإدارة الذاتية يهاجمه، كان هو مشغولاً بصنع معجزة إرسال البيشمركة إلى كوباني. تلك المشاهد التي تحدت سايكس – بيكو والحدود المصطنعة، لا تزال محفورة في ذاكرة كل كوردي. فالزعيم والبيشمركة الذين حملوا إرث زعامة الأمة في كل جوانبها، من الأخلاقية إلى الاجتماعية والسياسية، كانوا أكبر من الانشغال بتصريحات عبثية وشعارات فارغة.
رغم كل الاستفزازات، بقي الرئيس مسعود بارزاني صامداً وقادراً على خلق علاقات متوازنة، حرصاً منه على منع الاقتتال الأخوي الذي وصفه بأنه «خطأ معيب»، وقال إنه لن يتكرر ما دام حياً.
يقول الجنرال مظلوم عبدي: «إقليم كوردستان كان معهم ويدعمهم منذ 15 عاماً». وهذا يثبت أن الرئيس بارزاني، في كل معركة سياسية أو فكرية، يظهر كقائد لا يتأثر بظروف اللحظة، بل يبني استراتيجيات تتجاوز حدود الحاضر.
التاريخ يثبت في كل مرة أن الرئيس مسعود بارزاني، عبر كل مرحلة من مراحل الحياة السياسية، يظل رمزاً للحكمة والشجاعة التي لا تعرف التراجع ولا الانكسار. فعندما يتحدث، لا يكون حديثه مجرد كلام، بل هو خلاصة سنوات من المعاناة والتحدي، مليئة بالحكمة التي اكتسبها من التجارب الصعبة.