من دفتر يومياتي : مشروع – علي دوبا – في ايجاد حزب كردي سوري بديل

صلاح بدرالدين

مدخل

  الصراع السياسي الذي نشب منذ عام ١٩٦٦ ضمن صفوف الثورة الكردية بكردستان العراق ، والحزب الديموقراطي الكردستاني بعد انشقاق مجموعة قيادية من ابرزها ( إبراهيم احمد وجلال الطالباني )، وتطور الى مواجهات عسكرية دامية ، وتدخلات خارجية عراقية وإقليمية لتوسيع الفتنة ، وقاد فيما بعد الى حرب ( الاخوة ) الا ان التقى كل من الرئيسين مسعود بارزاني ، وجلال الطالباني برعاية وزيرة خارجية أمريكا – مادلين اولبرايت – وصدور بيان واشنطن لاتفاق الطرفين ، حيث لم تقتصر تلك المواجهات ( على الأقل في جانبها السياسي ) على جغرافية كردستان العراق ، بل شملت كل أماكن التواجد الكردي ، وافرزت محورين داخل الحركة القومية السياسية الكردية بالمنطقة ، محور يعتبر الزعيم الراحل مصطفى بارزاني القائد الشرعي للثورة والحزب وعلى الصعيد السوري كان حزبنا – سابقا – ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) من ضمنه ، وآخر يرى في المجموعة المنشقة بزعامة المرحوم – الطالباني – الطرف الشرعي ، وكان حزب اليمين بقيادة المرحوم – عبد الحميد درويش – من ضمن المحور الآخر .

الى جانب خلافنا مع – اليمين – حول هذه المسالة ، كانت هناك جملة من القضايا الخلافية الفكرية العميقة ، والسياسية ، والتنظيمية بشأن موضوعات : الكرد السورييون شعب ام اقلية ؟ وحق تقرير المصير ضمن سوريا ديموقراطية تعددية موحدة ،  والموقف من النظام الشوفيني حيث كنا نطالب بتغيير النظام ، وطبيعة الحزب ، والمسائل الاجتماعية ،  وفي تلك المرحلة وقفنا بكل قوانا الى جانب الثورة في كردستان العراق ، وقدمنا الكثير لدعمها .

  لم تكن لدينا علاقات مع – المجموعة المنشقة  – وكان المرحوم الطالباني  يعتبرنا من الأعداء لأننا نقف مع الثورة وزعيمها الشرعي ، لقناعتنا بان تلك الثورة كانت فاتحة مرحلة جديدة واعدة لكل الحركة القومية الكردية ، ومن الواجب القومي والوطني والأخلاقي دعمها ، وتطويرها ، والحفاظ عليها ، ومن تحصيل حاصل ان يحتضن – الطالباني – قيادة اليمين ( خصومنا ) السياسيين ويقدم لهم الدعم السخي ، خاصة وانهم كانوا من المرضيين عنهم من جانب السلطة السورية  ، خصوصا في نظر صديقه – اللواء علي دوبا – .

  في احدى المراحل بعد بيان الحادي عشر من آذار عام ١٩٧٠  ساد نوع من الوئام ، حيث زار – الطالباني – الزعيم الراحل البارزاني ، وقدم له الاعتذار ، ووعد بانه سيكون احد – بيشمركته – المخلصين ، وفي عام ١٩٧٤ التقيت به ببيروت ، وكان اللقاء بمثابة نوع من كسر الجليد ، وهنأته على التفاهم مع الزعيم الراحل ،وناقشته حول علاقاته بنظام دمشق وانعكاساته السلبية على قضية الكرد السوريين ،  وفي لقاء آخر بنفس العام ابدى رغبته بالمشاركة باحتفال عيد نوروز ببيروت ، والقاء كلمة وكان له ذلك حيث اعلن انه مع البارزاني ، وبالحرف قال : ان مصطفى بارزاني هو ( لينين عصره ) ، وبعد شهرين اعلن تشكيل – الاتحاد الوطني الكردستاني – من دمشق ، وكان بيان مؤتمره الختامي كله تهجما على الزعيم الراحل ، وتضمن اول عدد من جريدة حزبه – الشرارة – تهجما على شخصي بالاسم لانني ( اعارض النظام التقدمي في سوريا حليف الكرد المخلص …) ، وكان ذلك إيذانا بانه وحزبه ، يقفون مع نظام البعث ، ويواجهون معارضيه ، وانهم اصبحوا طرفا في صراعات الحركة الكردية السورية ، ولاشك ان الحسابات الحزبية الضيقة بهذا الصدد ، ومحاولة تعزيز مكانتهم لدى النظام على حساب الكرد السوريين دفعاهم الى هذا الموقف  .

  العماد علي دوبا كان من اكثر الموالين لحافظ الأسد ، واصبح رئيسا لشعبة المخابرات العسكرية . ( ١٩٧٤ ) ثم انتخب عضوا في اللجنة المركزيةلحزب البعث الحاكم في عام ١٩٧٨، ورقي إلى رتبة لواء  ثم عماد .

  تزامن ترقيته وصعوده في سلك المخابرات توافد اطراف المعارضة العراقية الى سوريا من عربية ، وكردية ، وشيعية ، ووجهاء عشائر وبالإضافة الى اشراف جهازه المباشر على شؤون تلك المعارضة ، فقد ارتبط بعلاقة صداقة قوية مع المرحوم جلال الطالباني الذي كان يقيم بشكل شبه دائم بدمشق ، وعقد مؤتمر حزبه التاسيسي ( الاتحاد الوطني الكردستاني ) أيار \ مايو ١٩٧٥ في العاصمة دمشق ، كما افتتح مكاتب لحزبهم في العاصمة ، والقامشلي التي أصبحت منطلقا للتواصل مع تنظيمات حزبهم في كردستان العراق  .

مشروع الحزب الجديد

  بلغت مسامعنا انباء عن تحركات واتصالات غير معلنة يجريها الطالباني في الوسط الكردي السوري الا ان علمنا في احد لقاءتنا بتلك الفترة مع ممثل الحزب الشيوعي السوري – بكداش ، السيد عبد الوهاب رشواني عضو المكتب السياسي ان  : ( هناك مشروع قيد التنفيذ منذ اشهر طرحه – علي دوبا – على السيد الطالباني يقضي بتوليه الاعداد لتشكيل حزب كردي سوري جديد  من خمسين شخص من غير المناوئين للنظام ، بمثابة بديل سياسي للحركة الكردية السورية ، واستطرد : ” يبدو انكم المستهدفون بالدرجة الأولى لموقفكم المناوئ للنظام ، ونشاطاتكم الداخلية والخارجية ، وان حزب – اليمين – سيكون الأساس في هذا المشروع ، وتعهد الطالباني بتنفيذ ذلك ، وبهذا الصدد طلب منا كحزب ان ندعم المشروع ، ونقترح الأسماء المناسبة ، واجبناه باننا سندرس الموضوع ، وفي حقيقة الامر لانوافق على هذا المشروع ولن نكون شريكا فيه ، بالرغم من ان حزبنا حليف لحزب البعث الحاكم وعضو بالجبهة الوطنية التقدمية ، ولكن المشروع يخالف نهجنا ..” .

  علمنا بعد المتابعة ان مشروع اختلاق بديل مشوه للحركة الكردية السورية بالرغم من دعم النظام لم ينجح بعد نحو عامين من المحاولات ، وبعد تجهيز قائمة بخمسين فرد معظمهم من أعضاء الحزب اليميني ، والخارجين على الأحزاب الكردية ، ومنشقين عن حزبنا ( سابقا ) ووجهاء عشائر ، وكتبة تقارير امنية ، ومن الجدير ذكره ان الضابط الأمني – محمد منصورة – مدير المخابرات العسكرية في القامشلي سار على نفس الدرب في بداية التسعينات ولكن بطرق أخرى .

  حصلت تجارب مماثلة في كردستان العراق عندما حاول النظام العراقي نسف بيان آذار للحكم الذاتي ، والتغطية على ذلك باستحضار شخصيات كردية هزيلة الى بغداد واعلانهم تشكيل أحزاب موازية هناك واطلق على احزابهم المصطنعة ( أحزاب كرتونية ) ، ولم ينجح النظام وسقط ، وبقيت الحركة الكردية الاصيلة ممثلة لاماني وطموحات شعب كردستان العراق .

العبرة لمن يعتبر

  الدرس الأول هو ان الأنظمة الحاكمة ذات اللون القومي الواحد ، وفي ظل غياب المؤسسات الدستورية ليست هي من تحدد من يمثل الكرد ، وحركتهم السياسية ، بل ان الإرادة الكردية الحرة في اختيار من يمثلها عبر الطرق الديموقراطية المدنية مثل المؤتمر الجامع لكل التيارات هي مقياس التمثيل الشرعي ،  وان البحث عن افراد ، ومجموعات بديلة مجرد – إدارة للازمة – وليس بحثا عن الحل ، والسلام ، وهذا مايفسر بقاء القضية الكردية من دون حل منذ عقود وحتى الان ، ويضع المسؤولية على عاتق الأنظمة والحكومات السابقة .

 وفي الجانب الاخر فان سلطات الامر الواقع الوقتية ، والميليشيات المسلحة الطارئة المرتبطة بالعوامل الإقليمية في الحالة الكردية السورية الخاصة ليست الجهة المؤهلة والمخولة ، لتقرير مصير الكرد ، الى جانب ان عشرات الأحزاب الكردية – المتناسلة – التي لم تظهر بالطرق الديموقراطية والمنتخبة من الجمهور الكردي قد لاتتوفر فيها شروط تمثيل الغالبية من الكرد السوريين ، لذلك لابد من العودة الى خيار المؤتمر الجامع باستقلالية ، وبمعزل عن كل أنواع الاحتواء من الداخل والخارج ، للحوار وإيجاد الحل التوافقي للقضية الكردية السورية .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…