الشرق الأوسط في لحظة إعادة التشكيل: صعود الأطراف وتبدّل معادلات النفوذ وتأثيراته على تركيا

صبحي دقوري

تبيّن التحولات التي شهدها الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأخيرة تداخلاً بنيوياً بين ثلاثة أحداث مفصلية: مؤتمر دهوك السياسي، زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للجنوب السوري، وخطاب دولت بهجلي داخل تركيا. ورغم تباعد هذه الوقائع جغرافياً وسياسياً، إلا أنها تُظهر اتجاهاً عاماً نحو إعادة تشكيل توازنات الإقليم، مع انعكاسات مباشرة على موقع ودور تركيا في المرحلة المقبلة.

أولاً، يمثّل مؤتمر دهوك انتقالاً نوعياً في الخطاب السياسي الكردي؛ فقد طُرحت الفدرالية للمرة الأولى بوصفها مشروعاً سياسياً كاملاً لإعادة بناء سوريا والعراق، بما يعكس تحوّل القوى الكردية من موقع الاحتجاج والهامش إلى موقع الشراكة وصياغة البدائل السياسية. كما تشير مشاركة رئيس الوزراء العراقي إلى تراجع النموذج المركزي التقليدي في العراق واستحالة إدارة الدولة من دون الأطراف المؤثرة.

ثانياً، يؤكد الحضور السياسي والعسكري لقوى شمال وشرق سوريا أنّ المنطقة تتجه نحو تشكّل كيان إداري–سياسي فعلي، يحظى باعتراف دولي متزايد، ويقوّض قدرة أنقرة على الاستمرار في احتكار تعريف المشهد السوري الشمالي. هذا التحوّل يُعزز انهيار النموذج السوري المركزي ويدفع باتجاه ترتيبات جديدة تتجاوز الدور التركي.

ثالثاً، تُعدّ زيارة نتنياهو للجنوب السوري إشارة واضحة إلى صعود نفوذ إسرائيلي مباشر في سوريا، ما يعني إعادة رسم خرائط النفوذ جنوب تركيا خارج إطار الرؤية التركية، وظهور تحالفات إقليمية جديدة قادرة على الحدّ من المجال الحيوي لأنقرة.

أخيراً، يكشف خطاب دولت بهجلي الداعي إلى زيارة عبد الله أوجلان تحوّلاً في المزاج السياسي التركي، يعكس قلقاً داخلياً من تزامن ثلاثة مسارات: مشروع فدرالي كردي عابر للحدود، كيان سياسي كردي في شمال سوريا، وتوسع نفوذ إسرائيل جنوباً. يشير هذا القلق إلى إدراك تركي بأن استمرار تجاهل القضية الكردية لم يعد خياراً قابلاً للاستدامة.

تُظهر مجمل هذه الأحداث أنّ الشرق الأوسط يقف عند مرحلة إعادة ترتيب جذرية تطال خرائط النفوذ التقليدية. وفي هذا السياق، تواجه تركيا سؤالاً وجودياً يتعلق بقدرتها على الاستمرار وفق النموذج القومي المركزي الذي تأسست عليه الجمهورية، في ظل صعود نماذج فدرالية ولا مركزية باتت أكثر انسجاماً مع الواقع المركب للمجتمعات الإقليمية.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…