مسلم شيخ حسن – كوباني
على امتداد التاريخ الحديث والمعاصر لم يكن وجود الشعب الكردي في المنطقة عابراً بل ارتكز على تضحيات جسام قدم فيها آلاف الشهداء أرواحهم فداء للحرية والكرامة. ولم تكن تلك التضحيات ردة فعل عابرة بل ثمرة نضال طويل عزز الإيمان الراسخ بأن حقوق الكرد ثابتة لا تقبل الجدل ولا التنازل. فمَن يظن أن هذا الشعب يمكن أن يتراجع عن مطالبه بعد كل ما تحمله من معاناة لا يدرك جوهر قضيته ولا عمق إصراره.
لم يعد الصمت خياراً متاحاً للكرد ولا التراجع ممكناً. كما لم يعد مقبولاً أن تواصل الحكومات التعامل معهم بعقلية الإقصاء والقمع. فالحل العادل يكمن في شراكة حقيقية تقوم على مبادئ العدالة والاعتراف بالحقوق القومية والسياسية والثقافية لأن هذه الحقوق ليست منّة تمنح بل استحقاق تاريخي يضمن الاستقرار والتعايش في المنطقة.
تحظى القضية الكردية اليوم بتعاطف دولي متزايد يتجلى في الضغوط الممارسة على تركيا لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين وفي الدعوات إلى إنهاء التدخلات العسكرية واحترام إرادة الشعوب وفي سوريا، وبعد عقود من الحرمان والتهميش بدأت مرحلة سياسية جديدة دعا خلالها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى استعادة حقوق الكرد ووضع حد لسياسات الإقصاء التي عانوا منها طويلاً.
لقد أثبتت التجارب أن تجاهل حقوق الشعوب لا يجلب سوى الفوضى وانعدام الاستقرار وأن أي مشروع سياسي في سوريا أو العراق أو تركيا أو إيران لن يكتب له النجاح ما لم يعترف بالكرد شريكاً اساسياً في بناء المستقبل. فالتعايش لا يفرض بالقوة بل يبنى بالعدل والتعاون الصادق وحده كفيل بمنع الانقسام وترسيخ السلام.
لقد دفع الشعب الكردي ثمناً باهظاً من دمائه وتاريخه ولن يقبل بالعودة إلى الماضي. واليوم، يشكل الكرد ركيزة مهمة في المعادلة السياسية للشرق الأوسط ومن يراهن على تهميشهم أو إقصائهم سيخسر الرهان. فالمستقبل لا يبنى على الظلم بل على العدالة والشراكة ومن لم يدرك هذه الحقيقة اليوم سيدركها غداً ولكن بعد فوات الأوان.
11/ 11 / 2025