هل تعلم حماس واشباهها ان لاعودة الى الوراء

 

صلاح بدرالدين

  منذ عامين وبعد واقعة السابع من أكتوبر وبشكل يومي  دفعت حماس الاحداث بشكل مدروس نحو تدمير غزة وابادة سكانها الفلسطينيين على ايدي الجيش الإسرائيلي ، ومقابل الاحتفاظ ببضع عشرات من المختطفين الاسرائليين كان اهل غزة يقدمون الضحايا يوميا الى ان كانت الحصيلة عشرات الالاف يعني نحو اكثر من الف انسان مقابل واحد ، وبعد وقف اطلاق النار وتلكئها في تسليم جنازات المختطفين ، أصبحت المعادلة كالتالي : خمسين ضحية غزاوية يوميا مقابل كل تأخير لتسليم جنازة .

  هكذا تسترخص حماس الدم الفلسطيني ، وبهذه الطريقة تقدم الخدمات  للمشروع الإيراني  واجندته ، وبدلا من الاعتراف بالهزيمة وقبولها ، والقيام بالمراجعة النقدية هي ومن معها من الجماعات المسلحة امام الشعب الفلسطيني ، تمارس سياسة ( الركوب على الراس ) وتحتال على العرب والمسلمين والعالم ، وتكشف كاميرات المراقبة سلوكها الاعوج المثير للشفقة ، وبذلك  تكاد تنجح حماس في التغطية حتى على الجرائم التي وقعت من الطرف الاخر إسرائيل – .

  يظهر ان  نهج حماس المدمر هذا تجسيد حي لطبيعة حركات الإسلام السياسي الشمولية ، وذهنية الميليشيات المسلحة المؤدلجة التي  تعتبر انفسها  خلفاء الله على الأرض ، والممثل الشرعي بدون منازع ، وتعتاش وراء تقديمات – الحروب بالوكالة – في اكثر من بلد بالمنطقة ، وتنطبق عليها صفة الارتزاق ، والمجردة من اية اهداف نبيلة قومية ، او وطنية ، او إنسانية ،  والتي حان امد  ازاحتها من جانب المجتمع الدولي ، بعد تجريدها من السلاح ، وحل تشكيلاتها ، ووقف منابع تمويلها ، والمعنية بذلك في المرحلة الراهنة بالإضافة الى حركة حماس ، حزب الله اللبناني ، وحركة انصار الله – الحوثية – ، وفصائل من الحشد الشعبي العراقي ، وحزب العمال الكردستاني – ب ك ك – وهي جميعها شكلت مصدرا للتوترات والفتن ، والحروب ، واراقت دماء المدنيين الأبرياء ، وأوقفت التطور الطبيعي للبلدان المعنية ، وحرمت شعوبها من العيش بسلام وامان ، وتاجرت بكل صفاقة بشعارات سامية وهي ابعد ماتكون عنها .

  الملفت ان استهداف جميع هذه الحركات ، والمنظمات يلاقي قبول وارتياح الشعوب التي تسلطت عليها حتى ضمن أوساط البيئات التي كانت تحتضنها بالماضي ، فلم نجد من يدافع عنها ، ولم تحدث على سبيل المثال احتجاجات شعبية ، ومظاهرات جماهيرية سياسية  تضامنا معها لا في فلسطين ، ولا في بيروت ، ولافي صنعاء وعدن ، ولافي بغداد ، ولافي دياربكر ( آمد ) ، بل بالعكس من ذلك فقد عمت مظاهر الفرح  باشكال شتى  .

  كل هذه الحقائق لاتنفي بتاتا ان البلدان المعنية بهذه الحركات ، والميليشيات ، عبارة عن جمهوريات ( افلاطون ) ، بل تعاني من فقدان الديموقراطية ، وقمع الحريات ، والحاجة الى دساتير وقوانين عصرية تعترف بالآخر المختلف ، وبحق تقرير مصير الشعوب ، والمساواة ، وتسريع العملية السياسية الديموقراطية ، وقد يكون المشهد الماساوي هذا احد عوامل ظهور تلك الحركات ، والميليشيات المسلحة ، الى درجة ان هناك مصادر تؤكد وقوف بعض اطراف – الدولة العميقة – في تلك البلدان وراء نشوئها لتحقيق مصالحها الخاصة ، وفي هذا المجال لم يعد سرا ان  إسرائيل وفي ظل حكومات – نتانياهو – السابقة قدمت الدعم لحركة حماس ، وقد اخبرني ذلك الرئيس الراحل ياسر عرفات ومسؤولين فلسطينيين آخرين ،  وكذلك العلاقة المتينة بين – ب ك ك – ومنظمة ( الارغنكون – دولة تركيا العميقة ) ، وتحالف الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح مع الحوثيين ، ووقوف الحرس الثوري الإيراني ( بمثابة الدولة العميقة في ايران ) وراء تشكيل – حزب الله – والحشد الشعبي ، وشبكات واذرع  أخرى بالمنطقة  .

  من جانب آخر قد تلجأ هذه الحركات ، والميليشيات المسلحة الى استخدام العديد من السبل الملتوية واستثمار مالديها من نفوذ ، واموال ، وامكانيات ، ( فبحسب المبعوث الأمريكي – باراك – يحصل حزب الله على أموال اكثر من الجيش اللبناني ، وكما اعتقد فان واردات – قسد – المالية تفوق اضعاف واردات الدولة السورية الراهنة ) ،  وأنواع من المماطلة ، والكثير من – المناقصات والمزايدات –  وقد تحاول – تغيير – جلدها ، وعلى سبيل المثال حماس قامت لتحقيق هدف إقامة الدولة الإسلامية من البحر الى النهر ، والقضاء على إسرائيل ، وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي تنادي بها منظمة التحرير الفلسطينية ، ورفض الشرعية الدولية ، ونبذ منظمة التحرير الممثل الشرعي ، وتكفير التفاوض مع (العدو ) الاسرائلي ، وعدم الايمان بالحوار الفلسطيني – الفلسطيني ، والتفرد باتخاذ القرارات بما فيها عملية السابع من أكتوبر ( طوفان الأقصى ) ، اما الان وبعد هزيمتها ، تفاوضت ، وقبلت وقف النار ، وتبادلت الاسرى ، ووقعت على مبادرة – ترامب – واتفاقية – شرم الشيخ – وتنادي بالدولة ، وتدعي الوحدة الوطنية ، والالتزام بقرار الفصائل ؟؟؟!!!.

        الامر نفسه ينطبق على حالة – ب ك ك – وفروعه في تركيا حيث يعتبر المراقبون ان قرار حل الحزب وتسليم سلاحه لم يكن مشروطا بتحقيق مطالب شعب كردستان تركيا بحق تقرير المصير ، اما في سوريا ، فقبل أربعة عشر عاما توافد مسلحو هذا الحزب الى سوريا استجابة لطلب نظام بشار الأسد البائد ، وواجهوا الثورة السورية ، ولم يعترفوا بالحركة الكردية السورية او التحالف معها ، وخرجوا عن الاجماع الكردي السوري ، وكذلك الاجماع الوطني السوري ، واعلنوا بشكل قاطع انهم ليسوا جزء من الحركة القومية الكردية ، بل انهم بمنآى عن مبدأ حق تقرير المصير ، والآن وبعد قرار اوجلان بحل الحزب وفروعه يسعى البعض التمرد على القرار ، والبحث عن سبيل للتملص من خلال تبديل – الجلد – والدفة ، والتلويح بالورقة الكردية السورية بمايتناسب مع مصالح حزبهم ، ويبحثون عن تحالفات تخدم مسالة الحفاظ على وجودهم ، الى جانب ممارسة اقصى درجات كسب الوقت في تواصلهم مع دمشق ، وحتى هذه اللحظة لايعلم الكرد السورييون ماذا يجري ، وأين وصلوا ، وماهو مشروعهم الحقيقي .

  كما أرى يجب الفصل أولا بين الموضوع الكردي السوري وبين إشكاليات تطورات موضوع – ب ك ك – الإقليمي ، وكذلك بين مسألة دمج قوات قسد ذات الأغلبية العربية في ( شمال شرق سوريا ) مع قوات وزارة الدفاع وهي مسالة عسكرية بحتة وحديثة عمرها سنوات عدة من جهة ، وبين القضية الكردية السورية وهي مسالة قومية ، ديموقراطية ، سياسية قائمة منذ عقود ، وان من مصلحة الجميع ان تتوج مفاوضات – قسد – والإدارة الانتقالية العسكرية بالنجاح ، وهذا سيزيل العقبات امام الحوار بين الكرد ودمشق بجميع تيارات حركتهم السياسية بعد استعادة شرعيتها ، ووحدتها من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع في العاصمة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين المجتمع الأمريكي من اكثر المجتمعات بالعالم تنوعا من النواحي العرقية ، والثقافية ، والجنسية ، فبخلاف اهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين عاشوا الحياة البدائية لقرون غابرة ، والذين انقرضوا بمرور الزمن ، هناك مئات الملايين من مهاجرين من عشرات الانتماءات القومية ، والثقافية لشعوب أوروبا ، وافريقيا ، وآسيا ، وامريكا اللاتينية ، وأستراليا تعاقدوا منذ…

زاكروس عثمان في النقاشات السياسية المتصلة بسوريا، يبرز خطاب إعلامي موجَّه يعتمد على مغالطات لغوية – سياسية تُستخدم لترسيخ رواية السلفية–التكفيرية حول “الدولة الواحدة” و“هيمنة الأغلبية”. ومن أخطر هذه المغالطات ما جاء به الإعلامي السوري فيصل القاسم في مقاله المنشور في صحيفة القدس العربي يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 بعنوان: «متى حكمت الأقليات في الديمقراطيات؟». يبدأ القاسم مقاله بهجوم حاد…

د. محمود عباس من أخطر الظواهر التي تعيد إنتاج عصور الجهل والظلام في واقعنا السوري الراهن، تلك الموجة المسعورة التي تستهدف المفكرين والكتّاب الأحرار، ومن بينهم الكاتب الكوردي (هوشنك أوسي) وسائر الأقلام الديمقراطية المستقلة، التي تكتب بضمير وطني حرّ، والتي ندينها بأشد العبارات. فالهجمة لا تصدر عن نقد فكري مشروع، بل تُشنّ بأدوات التكفير والتحريض من قبل فلول التطرف وبقايا…

جليل إبراهيم المندلاوي في الوقت الذي صار فيه المقعد النيابي أكبر من صاحبه، وأضيق من أن يتّسع لفكرة الديمقراطية، خرج علينا مشهدٌ يلخّص أزمة السلطة حين تنقلب على أصل معناها، ففي قضاء الدبس الهادئ، استيقظ الأهالي على عرض أكشن سياسيّ حيّ.. حيث اقتحم نائب منتخب بيت مواطن لأنه تجرأ وكتب تعليقا على فيسبوك، عجبا.. يبدو أن الديمقراطية عند البعض تتحسس…