التعليم في مناطق الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا : من سيء إلى أسوأ

بهرين أوسو

في أحدث حلقات مسلسل التعليم في زمن الادّعاء والتخبط ،تتحول العملية التعليمية إلى سلعة في السوق  وتقاس جودتها بعدد الشعارات التي ترفع فوق أنقاض المدارس.

ففي بداية العام الدراسي قررت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أن تلعب دور البطولة في فيلم عنوانه:  كيف تدمر جيلا بكبسة زر ، فجاء القرار البطولي الأول بإغلاق جميع المدارس التي تدرس المناهج الحكومية سواء أكانت عامة أم خاصة ،والذريعة كانت مجانية التعليم. 

 هذه الكلمة السحرية التي تغلق المدارس بدلَ فتحها وتخرّج الأجيال الغضة إلى الشوارع بدلَ إدخالهم إلى فصولتلي العلوم والمعارف.

ولكن لا تظنوا أن القرار غبي ، فالقائمون على الأمر يمتلكون حسا فكاهياْ عالياً وهم لم يقولوا: لنوفر التعليم المجاني للجميع ، بل لسان حالهم يدّعي:بما إننا لا نستطيع توفير التعليم المجاني “المعترف به” للجميع فلنمنع الآخرين من تقديمه أيضا . 

إنها فلسفة العدالة بنسختها الجديدة بنموذج: إذا لم أستطع الحصول على الاعتراف فليحرم الجميع منه إذن .

ولكن المفارقة الأنكى ما حدث لاحقا، فبعد مفاوضات مع رؤساء الطوائف المسيحية عادت المدارس الكنسية الخاصة التي تدرس مناهج الحكومة الى فتح ابوابها بعد التهديد بإغلاق الكنائس رفضاً لقرار إغلاق مدارسها  .

يا لها من لمسة إنسانية رائعة وكأن التعليم أصبح امتيازا طائفيا وليس حقا لكل أطفال الاطياف المتواجدة في مناطق الادارة الذاتية حيث أبدت هذه الادارة الكثير من الديماغوجية في التعامل ،ومتى كان التعليم يمنح بوجب صكوك الانتماء الطائفي ..!

أما طلبة المدارس الخاصة غير التابعة للكنائس وكذلك طلاب المدارس الحكومية فقد تم تخصيص مقاعد العزاء لهم لدراسة مناهج الانزواء والعزلة في مدارس الإدارة الذاتية حيث المناهج غير معترف بها من أحد خارج حدود هذه الإدارة وكأننا أنذرنا أطفالنا لحياة الإعتكاف والنفي الى جزر منعزلة بعيدة بحيث لا يكاد يعثر عليها على الخريطة. 

نحن لا كنائس لنا كي نهدد بإغلاقها ولا جرأة لدينا للنزول إلى الشوارع والمطالبة بحقوقنا وحقوق اطفالنا ولا ظهر لنا نستند عليه لنتجنب الدعس على بطوننا ولا حقوقيين ينبروا لكي نصل الى تكية الجنرال مظلوم عبدي لنفرش أمامه مظلوميتنا ومظلومية أبنائنا الاطفال الذي درسوا المناهج الحكومية بادئاً .

بالتأكيد لسنا ضد التعليم باللغة الأم للجميع  وهذا حق انكره علينا الحكام الطغاة دهراْ لكننا نريد أن يتعلم أبناؤنا في مدارس تسمح لهم بالوصول فكريا وثقافيا وعلميا إلى ما يبغيه طموح طالب العلم جغرافياً وانسانياً.  

ففي هذه المدارس البديلة ليس هناك معلمين مختصين ولا عارفين بأصول التربية الحديثة وطرائقها فباتت وكانها نسخة تعليمية من الوجبة السريعة تملأ البطن دون أن تفيد العقل وهكذا غدت مدارسنا وشهاداتنا دون  اعتراف به خارج حدود جغرافية الإدارة الذاتية .

انها البديل الارخص والأسرع لتهيئة الاجيال أسرى للإقصاء والتهميش والبطالة والاكتئاب والعزلة والضياع في ظل غياب اعتراف رسمي حكومي او اقليمي او دولي بمناهج ادارتنا الموقرة .

انه من الرائع أن يعاصر أطفالنا زمنا يشاهدون فيه كيف أن الحقوق تُمنح وتُسلب وفقا لأهواء الساسة ، إنه درس قيم في المواطنة وعدالة الحكم .

التعليم الذي يُفترض أن يكون أساس بناء الإنسان والمجتمعات، أصبح في سوريا عموماً ومناطق الادارة الذاتية خصوصا أداة للتفريق والتمييز ودليلا على أن بعض القرارات تحتاج إلى تمعن العقل فيها لا أن تصدر برعونة وعبث وهوسة  شعارات

نحن في غنى عن تطبيل المطبلين وتهريج المهرجين  بقينا على أرضنا لندعم نظماً او حكومات فاشلة لا تجيد التخطيط ، بل لايماننا ان البقاء يدعم حقوقنا ويؤكد وجودنا القومي والانساني وبالتالي نحن مع كل ما ينجز سياسيا وعسكريا لتثبيت حقوقنا القومية ، لكن أخرجوا التعليم من دائرة المزاودات والضغوطات والمساومة .

افتحوا طرق الوصول إلى الغد المشرق أمام هذه الأجيال فلعلها تحقق ما لم نستطع نحن تحقيقه . 

شارك المقال :

2.5 2 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
2 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
فرهاد دريعي
فرهاد دريعي
1 شهر

إن أشد ما يحز في القلب أن تجد لغتك الأم تحارب ، وخاصة اللغة الكوردية التي أضحت عنوانا للهوية القومية وركيزة من اهم ركائز فخر الكوردي بشخصيته وإنتمائه ..
الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا قطعت اشواطا مهمة في ترسيخ نهج اللغة الكردية وتعليمها عبر مناهجها الدراسية المختلفة من مرحلة التعليم الابتدائي وحتى المرحلة الجامعية ، ولعل ذلك هو اعظم انجاز يتحقق لصالح الكورد في غرب كوردستان حيث اصبحت الاجيال الناشئة تتحدث وتقرأ وتكتب بلغة كوردية سليمة وبطلاقة تامة في حين نحن الكبار عجزنا عن ذلك بفعل تكبيل هذه اللغة وممنوعيتها الصارمة من قبل الحكام الطغاة الشوفينيين الذين حكموا سوريا تباعاً.
لكن في المقابل فإن هذه الإدارة فشلت في تأمين درع الحماية للغة الكوردية وذلك بكسب اعتراف دولي او اقليمي او حتى من الحكومة الداخلية المؤقتة ، مما أضحى مصير مئات الاف من الطلبة في مهب المجهول ، وعتامة في رؤية المستقبل بعد تخرجهم ،بعد أن درسوا كل هذه السنوات الطويلة من أعمارهم ليجدوا أنفسهم مرميين على قارعة الطريق لا وظيفة ولا ضمان ولا اعتراف بمحصلهم الدراسي العلمي او الادبي .
وإني بهذا التعقيب على مقال الاستاذة الكاتبة بهرين أوسو مع احترامي الشديد لآرائها في هذا الامر فإنني اهيب بالمكون الكوردي ان يعالج الموضوع بروية واتزان مع السادة القائمين المختصين بشؤون التعليم في هذه الادارة وبتر الايادي الخارجية المحاولة استغلال هذا العجز في الادارة للتأليب عليها ، كما أهيب بالادارة الذاتية أن تكشف للشعب بوضوح وشفافية عن مخططاتها وتوجهاتها في مجال التعليم حتى يصبح الابناء والاولياء على بينة من امرهم ويقرروا اختياراتهم بحرية تامة وعلى الادارة التي تبنت او تدعي الديمقراطية حينها أن تتعاون مع الشعب وتسانده لإيجاد مخرج يضمن مستقبلا كريماً للاجيال الناشئة .

فرهاد دريعي
فرهاد دريعي
1 شهر

إن أشد ما يحز في القلب أن ترى لغتك الأم تحارب من أكثر من جهة وعلى أكثر من صعيد .
في زمن سابق كان الكورد في غرب كوردستان يقاسون الأهوال والشدائد ويتعرضون للبطش والتنكيل ويدخلون السجون من أجل لغتهم المحظورة من قبل مختلف الحكام الطغاة الذين تناوبوا على حكم سوريا .
وكان الكوردي قديما وحديثا يبقى متشبثا بلغته ويعتبرها أهم ركيزة من ركائز هويته وإنتمائه القومي ، لا يساوم عليها ولا يرضى لها بديلا .
ولعل أعظم انجاز للادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا هو إنها رسخت لمباديء التعلم باللغة الكوردية الأم و وفرت مناهجها وأقرت بمجانية التعليم وعملت بجهد حتى وصل الطلبة الذين يدرسون بهذه اللغة الى المرحلة الجامعية ، بل وسعت الى استقبال وفود من الجامعات الغربية لزيادة الخبرات ، ومؤخرا أعلن الرئيس الفرنسي إستعداد بلاده للإعتراف بمناهج الإدارة الذاتية و بشهادات طلبتها الذين باتوا يقرؤون ويكتبون ويتعلمون ويعلمون بلغتهم الكوردية بسلاسة ودون عائق ، وهذا مدعاة فخر وابتهاج لكل كردي غيور على قوميته و وجوده .
لكن بالمقابل فإن هذه الادارة فشلت – الى الآن على الأقل – في تأمين الأعتراف باللغة الكوردية اذا ليس هناك تجاوب من دول العالم المختلفة الإقليمية منها والدولية وحتى من الحكومة المؤقتة في سوريا ( باستثناء الموقف الفرنسي والذي أتى خجولا أيضا ) ، مما ادى الى خلق حالة خوف لدى الأولياء على مستقبل أبنائهم ، وخاصة بعد سماح الادارة الذاتية لطائفة معينة بتعلم منهاج الحكومة المعتمد رسميا في مدارسها الخاصة .
هذا التخبط في سياسات الادارة الذاتية جعلت الطوائف الأخرى ومنهم الكورد في محل شك وقلق بشأن خطط الإدارة التي لاتبدو انها مدروسة أو متزنة ، مما أدى بدورها الى خلق حالة من التذمر والنفور وخوف مشروع على مستقبل أبناء كرسوا سنوات طويلة من حياتهم للتعلم ثم ليجدوا أنفسهم بعد ذلك مهمشين وعاطلين في تجسيد حقيقي لمعنى الضياع .
في تعقيبي على مقال الأستاذة بهرين أوسو لم أسعَ الى برهنة صواب رأي من عدمه فاحترام الآراء يجب ان يكون مصانا ، إنما سعيت لكي أهيب بمختلف شرائح الشعب في شمال وشرق سورية أن يتباحثوا مع إدارتهم هذه الأمور بروية وهدوء خاصة إذا علموا إن أيادي الأعداء في الخارج والخصوم في الداخل تسعى لتأليب الشعب على إدارته
وزرع بذور الفتنة والاقتتال .
كما أهيب بهذه الادارة أن تكشف عن مخططاتها بوضوح وشفافية فيما تتعلق بالتعليم وسبل الإعتراف بالمناهج والشهادات الصادرة من مؤسساتها التعليمية ، واذا رأت نفسها عاجزة بالفعل عن تحقيق ذلك فيجب حينها أن تساند الشعب ديمقراطيا في إيجاد مخرج يضمن للأجيال الناشئة مستقبلا كريما بمؤهلات معترفة بها دوليا .

1000193756
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…