د. محمود عباس
إلى كلّ من باع الكلمة في سوق الارتزاق، وتنكّر لجغرافيا الحرية، ولبس قناع “الوطنية” ليمرّر الخيانة بوجهٍ منمّق، إلى موسى العمري، وأسعد الزعبي، ومن يدور في فلكهما من “العنصريين المأجورين” أمثال حسن الدغيم، وغيره، الذين تحوّلوا إلى أبواق لجهاتٍ تموّل الفتنة وتعيد إنتاج الكراهية، إليكم هذه الكلمات لا بوصفها ردًّا، بل شهادة إدانة.
فأنتم لستم خصومًا سياسيين بقدر ما أنتم أدواتٌ مبرمجة لإعادة إنتاج خطاب البعث البائد، والتكفير المنتشر في ثوبٍ جديد، تخدمون به مشاريع الغزو التركي وأوهام “الأكثرية” على أنقاض الوعي الوطني. إنّ الخيانة اليوم لا تحتاج بندقية، بل ميكروفونًا يحوّل الكلمة إلى رصاصة، والإعلام إلى منبرٍ لتسويق الوهم، وما تفعلونه من تحريضٍ على قوات سوريا الديمقراطية والشعب الكوردي ليس رأيًا حرًّا، بل استكمالٌ لدورٍ أمني قديم، دورٍ يقوم على إيقاد نار الفتنة كلّما همدت، ليتحوّل الدم السوري إلى وقودٍ جديد لمشاريعكم القذرة.
موسى العمري نموذجٌ صارخٌ للمرتزق السياسي الذي خان ضميره وتنكر لقضية الشعوب السورية، واختبأ وراء أقنعة الوطنية الملطخة بالطين. ليس هنا مجرد نقدٍ لقذارة أفكاره، بل فضحٌ لسلوكه الوضيع، ودناءته الفكرية، وسقوطه الأخلاقي الذي يجعله أقرب إلى بهلوانٍ مأجورٍ في سوق السياسة منه إلى رجلٍ صاحب موقف.
يتحدث باسم الوطن وهو يبيعه في المزاد، يرفع شعار الحرية وهو يصفّق للجلاد، يهاجم الشرفاء بلسانٍ ملطخٍ بالرياء، ويمدّ يده للأنظمة التي صنعت منه دميةً تتلو ما يُملى عليها.
ذلك ليس خصمًا سياسيًا، بل كائنٌ طفيليّ يعيش على فتات موائد المستبدين، ويقتات على التحريض والكذب، ويقيس وطنيته بعدد ما ينهش من جسد الحقيقة.
يقدم نفسه «رجل النظام» المُحبَّب، يدافع عن حكومة لا يراها إرهابية، ويستميت ليكسب مواقع في منصات الإعلام والوزارات، متناسيًا أن المواقف تُقاس بالنوايا لا بالتصريحات المزيّفة. حين يَطعن في الحوارات الجارية بين قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية من جهة، والحكومة الانتقالية بشكل غير مباشر من جهة أخرى، لا يفعل ذلك بدافع مصلحة وطنية أو حرص على الاستقرار، بل لخدمة محاورٍ خفية، مصالح ذاتية أو أجندات تملي عليه شروطًا لقاء خدماته اللغوية والسياسية.
خطابه لم يقتصر على مناكفاتٍ هامشيّة، بل تحوّل إلى تحريضٍ طائفيٍّ صريحٍ لا يَخفى على ذي بصيرة، يستقبح اللغة فيستعمل مفرداتٍ تُحرّك الفتنة، ويُلصِق أوصافًا مبتذَلةً بقيادة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، كي يحيك حولها هالةً من الشبهات في أذهان جمهورٍ بسيط ساذج من السنة العروبيين سهل الانقياد لخطاب التكفير.
بهذا الأسلوب الوضيع يُعيد إنتاج منطق العداء بين الشعبين العربي والكورد، مستغلاً هشاشة وعي فئاتٍ وانقلابه على كلِّ مبادئ التضامن الوطني، وهذه اللعبة ليست بريئة؛ إنها محاولة يائسة لإحياء مشاريع دواعشيةٍ فاشلة خسرها السلاح في ساحات القتال، فتلجأ الآن إلى سموم الإعلام والكلام لتهيئة مناخٍ للعودة.
ولا يخفى أن من يقف مستفيدًا من هذا السُمّ الاستثماري هم قوى إقليمية تبحث عن وكلاءٍ داخليين لإذكاء الفتنة؛ وتركيا في طليعتهم، فقد انتفعت دائمًا من الانقسامات والفرقات، واليوم أيضاً تجد ضالتها في أمثال موسى العمري، شريحةٌ مجنّدةٌ لهذا المخطط الخبيث، تقوّض الأمن الاجتماعي وتُسهِم في تدمير النسيج الإقليمي بكلامٍ مدسوسٍ ومقاصدٍ ظلامية.
وما يؤكد دعوته لخلق حرب أهلية جديدة في سوريا، بتحريك فلول داعش، وإيقاظ روح الثأر لديهم، ويزيد الاحتراق خطورة هو فجاجة عباراته، حين صاح بشيء صادمٍ ووقحٍ مثل «اسلم تسلم وإلا»، لم يكن ذلك مجرد هفوة لفظية، بل محاولة فاضحة لإشعال الفتنة، وفي الإسلام كما في العقل السياسي، «الفتنة أشدُّ من القتل». لذلك لا يكفي تجاهل أمثال هؤلاء أو الاكتفاء بالاستنكار الشكلي؛ المطلوب كشفهم أمام الرأي العام وتعرية مصادرهم ومآلات خطابهم. الردّ الملائم عليهم ليس بالشتائم العشوائية، بل بالفضح المنهجي، توثيق مواقفهم، كشف تضارب مصالحهم، ومحاصرة خطابهم بالحجة القانونية والأخلاقية، فضلاً عن مقاطعتهم إعلاميًا وسحب الشرعية التي يمنحها لهم جمهور ساذج أو منصات مأجورة.
أمّا الذين يدّعون «الوطنية» بينما هم يغذون الفرقة بين مكوّنات الوطن، أمثال أسعد الزعبي، فمصيرهم التاريخي واحد، تُدَوّنه الشعوب كخيانة لفظية قبل أن تكون عملية، والشارع الكوردي وقياداته مخوَّلان، بل مُلزَمان، أن يردّوا على هذه الخباثات بما يليق بها، فضحًا مدعومًا بالأدلة، وحكمةً سياسية تحفظ الأمن المجتمعي، وبقوة لغوية تُعيد الحقائق إلى نصابها دون أن تنحدر إلى مستواهم المبتذل.
أسعد الزعبي ليس سوى نسخةٍ مكرّرة من النماذج التي صنعتها أجهزة النظام السوري بمهارة الشيطان، منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، لم يترك مناسبة إلا واستغلّها لبثّ السموم بين المعارضة العربية والكوردية، وكأنّ مهمته الوحيدة هي زرع الانقسام وتخريب كل محاولة لبناء جبهة وطنية متماسكة، خطابه المسموم، المعبّأ بروح البعث القديمة، يفضح خلفيته أكثر مما يعلنها، فهو لا يتحدث بوعي معارض، بل بعقلية أمنيةٍ مُدربة، تُتقن هندسة الفتن وتفريخ الأحقاد.
لقد بدا الزعبي، في كثير من محطاته، وكأنه أداة مخصّصة من قِبل النظام المجرم نفسه لتنفيذ مهمة دقيقة، نسف الثقة بين الأطراف الوطنية، وتعويم الشكوك في كل حوارٍ بين المكوّنات السورية، المهمة ذاتها التي مارسها النظام حين أطلق سراح أكثر من ألفي تكفيري من سجونه في بدايات الثورة، ليحوّل مسارها من نداءٍ للحرية إلى مستنقعٍ من الدم والتكفير، ثم يظهر لاحقًا متقمصًا دور “محارب الإرهاب”.
لهذا، لا بد من كشفه لا بوصفه خصمًا سياسيًا، بل كعنصرٍ في شبكةٍ منظّمة تعمل ضدّ أي مشروع وطني حقيقي، وضدّ التعايش العربي الكوردي الذي يشكّل عماد سوريا المستقبل.
فأمثال الزعبي هم صدى الماضي البعثيّ كانوا في ثياب المعارضة، يجيدون المزايدة باسم الوطن، بينما يخدمون أعداءه في السرّ.
إنّ ما بين موسى العمري وأسعد الزعبي وأمثالهما ليس صدفة، بل خيطٌ واحد يشدّه عقلٌ موبوء واحد، ويربطه تاريخٌ واحد من العمالة والارتهان، إنهم الورثة الطبيعيون للبعث في زمن ما بعد البعث، حيث تتقاطع العنصرية العروبية مع الفكر التكفيري، يبدّلون الشعارات ولا يبدّلون الجوهر، ولكن مهما علا صراخهم وتكاثرت أقنعتهم، فإنّ الوعي الكوردي والعربي الحرّ بات اليوم أذكى من أن يُخدع، وأقوى من أن يُخترق.
فالتاريخ لا يرحم من استخدم الكلمة لهدم وطنٍ أو لإشعال حربٍ أهلية، ولا يغفر لمن باع انتماءه بحفنة دولارات أو منصبٍ تلفزيوني، ستسقط أصواتهم كما سقطت الرايات التي رفعوها بالأمس، وستبقى الحقيقة وحدها تصمد في وجه الأكاذيب، أن الكورد لم يكونوا يومًا دعاة انفصال، بل روادًا في الدفاع قضيتهم وعن إنسانية الوطن.
أما أمثال موسى العمري وأسعد الزعبي، فسيذكرهم التاريخ كـ “مرتزقة الوعي” الذين تاجروا بالوطن وباعوا شرف الكلمة في سوق الخيانة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
2/11/2025م