المأزق الاستراتيجي للنظام: شباب إيران يقرعون باب الإسقاط!

نظام مير محمدي *

في وقت يحاول فيه المسٶولون في النظام الإيراني العمل بصعوبة بالغة من أجل تسيير الامور في البلاد حيث يبذلون قصارى جهودهم، لکن لا يبدو إن الحظ يحالفهم ولاسيما وإن النظام أشبه ما يکون بسفينة متهالکة تسعى للإبحار بسلام في بحر مترامي الاطراف في خضم عاصفة هوجاء غير مسبوقة.

الملاحظة المهمة التي يجب أخذها بنظر الاعتبار والاهمية، هي إن المسٶولون في النظام وکلما يقومون بالعمل من أجل التصدي لأحد الاوضاع السلبية، فإن ناقوس الخطر يقرع بقوة في جانب آخر، إذ أن سفينتهم الخرقاء مليئة بالثقوب ولم تعد قابلة للإصلاح وهذه الحقيقة التي لا يريد الولي الفقيه علي خامنئي وغيره من قادة النظام من تقبلها والاعتراف بها کأمر واقع.

فضيحة مصرف “باسارغاد” والذي جاء في وقت لم يتمکن فيه النظام من لملمة فضيحة مصرف “آيندە”، جعلت النظام المصرفي الإيراني بأکمله في الواجهة وکشفت عن عدم تماسکه ومن إنه يسير بإتجاه مستقبل مجهول وهو الامر الذي من شأنه يضاعف من الثقة به وهذا يحدث في وقت تتزايد العزلة الدولية للنظام وتتفاقم أکثر من أي وقت آخر وذلك ما يثقل کاهله ويجعله يزداد ضعفا في مواجهة الاحداث والتطورات المتسارعة.

ومع إن الاوضاع ليست سيئة في القطاع المصرفي کما قد يمکن أن يتبادر لذهن البعض، بل إنها سيئة وحتى تزداد سوءا في مختلف الجوانب الاخرى ويبدو النظام وبکل وضوح وهو يئن من تحت رکامها الثقيل غير القابل للتخفيف، وحتى إن تزايد الصراعات داخل النظام وبلوغها حدا غير مسبوقا، يرسم ظلالا قاتمة لمستقبل مجهول ينتظره ولعل أسوأ ما فيه إنه لا يمکن معالجته أو على الاقل التخفيف من سيره السريع المثير للقلق.

في هذا الخضم، فإن النظام الإيراني ومن أجل أن يتدارك الاوضاع ويخفف من وقع تأثيراتها السلبية ويوفر مساحة من أجل الطمأنة على النظام مما يمکن أن يحيق به، فإنه يزيد من وتيرة الاعدامات والاعتقالات التعسفية، غير إن الذي يبعث على قلقه ويجعله يشعر بنوع من التشاٶم المصحوب بکئابة، هو إن دائرة الاحتجاجات الشعبية تتزايد بشکل مضطرد ويزداد قلقه أکثر عندما يعلم بأن درجة ومستوى الوعي السياسي للشارع الإيراني ترتفع أکثر من أي وقت مضى خصوصًا وإن الخلايا الداخلية المٶيدة لمنظمة مجاهدي خلق والموسومة بـ “وحدات المقاومة” تقوم وبصورة مستمرة بتنفيذ عمليات ثورية ضد مراکز ومٶسسات النظام بالاضافة الى نشاطات ذات بعد تعبوي بهدف فضح النظام وکشف ظلمه وفساده أمام الشعب الإيراني، والذي يضاعف من قلق النظام ويوفر مساحة أکبر لشعبية هذه الوحدات إنها تقوم في کثير من الاحيان بتنفيذ عملياتها الثورية ردًا على موجات الاعدامات وقمع الحريات المدنية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية. ولذلك فإن المسٶولين في النظام يشعرون بالخوف ويعلمون جيدا بأن الدائرة باتت تضييق بهم ومن إنه ليس هناك من عاصم من عدم سقوط النظام أو إنهياره.

والآن يقف المجتمع الإيراني في وجه سياسة النظام المعادية للشعب والإعدامات اليومية. ويُعدُّ إضراب ۱٥۰۰ سجين محكوم بالإعدام في سجن قزلحصار، الذي استمر من ۱۳ إلى ۱۹ تشرين الأول (أكتوبر)، دليلاً على عزم الشعب المتأزّم الذي يرفض هذا النظام الإجرامي. اليوم، أصبحنا أقرب إلى إسقاط نظام الملالي أكثر من أي وقت مضى؛ فخلال الـ ٤٧ عاماً الماضية، لم يبلغ النظام هذا الحد من العجز والتفسّخ أبداً.

أمّا أولئك الذين علّقوا آمالهم على الإصلاح من داخل هذا النظام وقاموا بتسويق وتجميل الجناح المعروف بـ “خط الإمام” كجناح إصلاحي، فقد تم إقصاؤهم بالكامل من دائرة السلطة. وکذلك مُنيَ أولئك الذين كانوا يتطلعون إلى الحرب والتدخل العسكري الخارجي بالفشل الذريع. وعلى الساحة الدولية أيضاً، ثبت أن الخطأ الكبير تجاه إيران هو سياسة المماطلة/الاسترضاء؛ وهي سياسة كارثية جلبت الحرب بالإضافة إلى العار.

والنتيجة أنه لا يوجد سوى طريقين لا ثالث لهما:

_ إما استمرار هذا النظام أو ثورة ديمقراطية.

_ وإما ولاية الفقيه أو جمهورية تقوم على أساس أصوات الشعب.

القول الفصل هو أن الحل هو نفسه الذي يقع تحت وطأة أكبر رقابة في هذا القرن؛ وهو الحل ذاته الذي يُشيطَن بلا توقف ويواجه بوابل من الاتهامات التي لا أساس لها ولا حصر لها. ولكن؛ الحل الحقيقي هو إسقاط النظام على يد الشعب الإيراني ومقاومته المُنظَّمة وقوته الثائرة المتعطشة للحرية.

* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين المجتمع الأمريكي من اكثر المجتمعات بالعالم تنوعا من النواحي العرقية ، والثقافية ، والجنسية ، فبخلاف اهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين عاشوا الحياة البدائية لقرون غابرة ، والذين انقرضوا بمرور الزمن ، هناك مئات الملايين من مهاجرين من عشرات الانتماءات القومية ، والثقافية لشعوب أوروبا ، وافريقيا ، وآسيا ، وامريكا اللاتينية ، وأستراليا تعاقدوا منذ…

زاكروس عثمان في النقاشات السياسية المتصلة بسوريا، يبرز خطاب إعلامي موجَّه يعتمد على مغالطات لغوية – سياسية تُستخدم لترسيخ رواية السلفية–التكفيرية حول “الدولة الواحدة” و“هيمنة الأغلبية”. ومن أخطر هذه المغالطات ما جاء به الإعلامي السوري فيصل القاسم في مقاله المنشور في صحيفة القدس العربي يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 بعنوان: «متى حكمت الأقليات في الديمقراطيات؟». يبدأ القاسم مقاله بهجوم حاد…

د. محمود عباس من أخطر الظواهر التي تعيد إنتاج عصور الجهل والظلام في واقعنا السوري الراهن، تلك الموجة المسعورة التي تستهدف المفكرين والكتّاب الأحرار، ومن بينهم الكاتب الكوردي (هوشنك أوسي) وسائر الأقلام الديمقراطية المستقلة، التي تكتب بضمير وطني حرّ، والتي ندينها بأشد العبارات. فالهجمة لا تصدر عن نقد فكري مشروع، بل تُشنّ بأدوات التكفير والتحريض من قبل فلول التطرف وبقايا…

جليل إبراهيم المندلاوي في الوقت الذي صار فيه المقعد النيابي أكبر من صاحبه، وأضيق من أن يتّسع لفكرة الديمقراطية، خرج علينا مشهدٌ يلخّص أزمة السلطة حين تنقلب على أصل معناها، ففي قضاء الدبس الهادئ، استيقظ الأهالي على عرض أكشن سياسيّ حيّ.. حيث اقتحم نائب منتخب بيت مواطن لأنه تجرأ وكتب تعليقا على فيسبوك، عجبا.. يبدو أن الديمقراطية عند البعض تتحسس…