عبداللطيف محمدامين موسى
يلاحظ المتتبع لسير مستجدات الاحداث الدراماتيكية في سورية، بانها وللوهلة الاولى احداث ذات منحة عفوية، ومستقلة عن التطورات الاقليمية والدولية او ما يشبه بان يكون بمسار فردي تتحكم بها مجريات الاحداث لتعبر عن ارادة الشعب السوري في الديمقراطية، او العيش من خلال دوامة المستقبل المجهول وغياهب التكهنات لاحتمالات مستقبلية تحمل طابع التشاؤمية والايجابية.
ولكن في حقيقة الامر تثبت منحى سير الاحداث والتغيرات الجيوبولتيكية المتسارعة المرتبطة بالازمة السورية بان هذه التطورات تخضع لتسويات اقليمة ودولية غير معلنة، وكذلك الدول المهتمة بالشأن السوري حاضرة بقوة في الترتيبات السورية على شكل تسويات مرتبطة بصراع المصالح والنفوذ، ولتفرز تلاقي المصالح هذه انتاج تغير جذري في بنية الصراع السوري، والاستفادة من حالة الثورة في احداث تغير شامل لتثبت سير الاحداث في سوريا من جديد بما لا يدع المجال للشك بان سير الاحداث تلك جزء من التغيرات الجيوستراتيجية بالنسبة لخرائط الشرق الاوسط الجديد.
وما يكاد نتنياهو ينتهز الفرص المتكررة في كل مرة واكثر من مناسبة بالتباهي بقوة اسرائيل في يدها الطولى باحدث تغيرات في خرائط الشرق الاوسط ولاسيما تغير النظام في سوريا، كما ان تصريحات ترامب المتكررة وتلويحه عن استئثار تركيا على النصيب الاكبر في سوريا تثبت حقيقة بان حالة التغير في سوريا ليست بمعزل عن التغيرات وتداخل صراع المصالح وتحقيق النفوذ العالمي.
ان تقييم مسار الصراع والكثير من المتغيرات وبما اداء السلطة الانتقالية وسوريا على موعد قريب في ما يقارب العام على تغير النظام واستلام السلطة المؤقتة للتغير والانتقال الديمقراطي الشامل في سورية، فان الاجراءات والخطوات التي اتخذتها هذه السلطة كانت مسار الجدلية بين مكونات الشعب من خلال الدعم والقبول والرضاء وما هو التشكيك والرفض وعدم الثقة.
لا يخفى ان القوى الاقليمية والدولية ربطت مستقبل هذه السلطة الانتقالية بمدى جديتها في تحقيق انتقال ديمقراطي شامل في سوريا يضمن اتاحة الفرصة لمشاركة كافة المكونات والاقليات في السلطة الجديدة وادارة الثروات والسلطة. وكما لا يمكن لاي سوري يعتز بتحرر سوريا من نظام الاسد ان ينكر شعوره بالاعتزاز وهو يرى سورية تعود الى مكانتها في الساحة الاقليمية والدولية من خلال جهود الحراك الدبلوماسي للسلطة الانتقالية في المبادرة الى وضع سوريا على المسار الحقيقي.
ولاسيما زيارة رئيس السلطة الانتقالية في سوريا احمد الشرع الى نيويورك وخطابه على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة كانت محل فخر لكل سوري عانى من سلطة وقمع البعث وديكتاتوريته، والاعتزاز بخلاص سوريا من صورة الدولة المارقة او الدولة الداعمة للارهاب ومحور الشر الذي لابد ان تواجه العقوبات والعزلة.
لربما تكلل هذه الجهود والحراك الدبلوماسي في تعزيز مكانة سوريا والبداية في رفع العقوبات عنها، والبدء في مساعدتها على اعادة الاعمار والمساعدة في عودة اللاجئين، ولكن الامر الاكثر اهمية هو مدى التزام السلطة الانتقالية في تحقيق وعودها امام السوريين وامام الدول الداعمة لهم في استغلال الفرصة التي اعطيت لها لاثبات نيتها في تحقيق انتقال سياسي وتحقيق تسوية سياسية شاملة للمساعدة واتاحة الفرصة في تهيئة الظروف لمشاركة كافة المكونات والاقليات السورية في بناء سوريا وتحقيق العدالة الانتقالية وترسيخ الديمقراطية والتعددية في شكل الحكم في سورية.
هذا لا يخفي المخاوف والنقد من اجل الصواب في ان الخطوات البطيئة التي اتخذتها السلطة الانتقالية في سوريا لم تكن في مستوى طموحات الشعب السوري التواق الى الحرية والكرامة والمساواة والديمقراطية، ولاسيما ان كل تلك الاجراءات والخطوات والقرارات اعتبرت تهميشية وتكريس لسياسة التجاهل والاقصاء والاصرار على المركزية والشمولية والاستفراد بالقرار دون مشاركة باقي المكونات.
وكما انها اتسمت بالصبغة الواحدة والضيقة واللون الواحد، الامر الذي ادى الى خلق شعور عدم الثقة بين الاقليات والمكونات والسلطة الانتقالية في سوريا، مما عزز هذا الشعور من اعادة تكرار احداث الساحل والسويداء المأساوية بحق الاقليات والمكونات مرة اخرى.
ان البداية الحقيقية لولادة حالة عدم الثقة بين الاقليات والمكونات والسلطة الانتقالية في سوريا هي انعدام التشاركية الحقيقية والاقصاء في لجنة ما سمي الاعداد لمؤتمر الحوار الوطني، وطريقة تكوينها واعداد مقرراتها ولدت حالة النقد لهذا المؤتمر من خلال استفراد صبغة اللون الواحد في لجنة اعداد الاعلان الدستوري الذي تجاهل المطالب والحقوق الدستورية للمكونات والاقليات والسلطة.
وكذلك طريقة تشكيل وتكوين الحكومة المؤقتة، وطريقة اعداد وانتخاب اعضاء مجلس الشعب، واعطاء رئيس السلطة الانتقالية صلاحية تعيين اكثر من ثلث اعضاء مجلس الشعب، والبدء في اصدار القرارات المتتالية، لربما ستجد السلطة الانتقالية نفسها لاحقا في مأزق كبير ومضطرة تحت ضغط شعبي او اقليمي ودولي الى اصدار قرارات اخرى تعالج قراراتها السابقة.
ان اصرار السلطة الانتقالية في سوريا على حالة التهميش والاقصاء والاصرار على المركزية في اصدار القرارات المتعلقة بالشعب السوري سيترتب عليه تداعيات سلبية منها ما هو داخلي يتمثل في زيادة الشرخ وانعدام الثقة بين السلطة والاقليات والمكونات.
الامر الذي يتمثل في تعنت السلطة الانتقالية في عدم الاستعداد لاستقبال الوفد الكردي المشترك الذي انبثق عن اتفاق 26 نيسان في قامشلي، والذي لاقى اجماع الشعب الكردي وتأييده، وكذلك حظي بمباركة اقليمية من المرجع الكردستاني مسعود بارزاني وفرنسا وامريكا.
كما ان هذا الرفض في عدم الاستعداد لمناقشة المطالب المحقة للشعب الكردي الذي تعرض للتهميش الكبير طيلة سنوات النظام، وعدم مناقشة المطالب المحقة للشعب الكردي الذي يريد الانتماء لسوريا موحدة لا مركزية تضمن حقوقه الوطنية والقومية المشروعة في الدستور السوري، ورغبته في المشاركة الفاعلة في بناء سوريا الحديثة الديمقراطية التعددية، سيكون له عواقب كبيرة من خلال زيادة حالة عدم الثقة بين الشعب الكردي والسلطة الانتقالية في سوريا، مما سيفقد السلطة الانتقالية احد ابرز الداعمين والمؤمنين بقدرتها على تحقيق انتقال سياسي شامل يضمن مشاركة جميع المكونات السورية في السلطة والحكم.
ان هذه المماطلة ستدفع الى زيادة الشرخ وعدم توافر المناخ والارضية لتنفيذ اتفاق آذار بين الشرع وقسد، ولربما ستجد السلطة الانتقالية في دمشق نفسها مضطرة وتحت ضغط تركي الى الذهاب الى مواجهة مع قسد، الامر الذي سيفقد هذه السلطة الكثير من الدعم الدولي ولاسيما فرصة ترامب لاثبات حسن نيتها وتعهداتها باحداث انتقال سياسي شامل في سورية مقابل عودة سورية لمكانتها الطبيعية ورفع العقوبات والدعم الدبلوماسي.
ولا سمح الله في حال مواجهة لا مفر منها تنذر لها حجم الدعاية وخطاب الكراهية على الاعلام الرسمي الحكومي ووسائل التواصل الاجتماعي في سوريا، ستجد السلطة الانتقالية نفسها في مواجهة دموية، كما انها ستجد نفسها امام خيارات صعبة تكلفها بقاءها والعودة الى حالتها السابقة في فقدان الدعم الدولي قبل رفع العقوبات عليها ولاسيما المتعلقة بالارهاب، الامر الذي لا يتمنى اي سوري رؤية تكرار مشاهد احداث الساحل والسويداء.
بالتالي ستكون هذه الاحداث نتاج عدم رغبة السلطة الانتقالية في الاستعداد للتحاور مع الممثلين الحقيقيين للمكونات في السويداء والساحل.
في المحصلة، السلطة الانتقالية مطالبة باتخاذ خطوات واجراءات حقيقية في عدم الاستمرار بحالة التفرد بالسلطة والاقصاء والاصرار على التهميش والتجاهل التي تشكلت لدى كافة المكونات والاقليات في سوريا، مما عزز حالة الشرخ وعدم الثقة بين السلطة والاقليات، وكذلك ادى الى زيادة الانقسام المجتمعي.
كما ان السلطة الانتقالية في دمشق مطالبة باجراء انتقال سياسي او تحول ديمقراطي سلمي يعزز الشعور بالانتماء الى مفهوم المشاركة في بناء سورية الحديثة الديمقراطية التعددية التي لابد ان يتشارك فيها الجميع السلطة وادارة النفوذ والثروات.
الامر الذي لابد ان يتجلى من خلال مؤتمر حوار وطني حقيقي في دمشق يتشارك فيه الجميع ولا يستثنى اي احد، ويستند الى ثوابت وطنية حقيقية، وتمثل مبادئ الثورة السورية ومباركة ودعم ومساعدة اقليمية ودولية توفر الظروف الملائمة لاعادة اعمار سورية وعودة جميع اللاجئين والمساهمة في بناء وطنهم سوريا.