دلژار بيكه س
شكل إعلان حزب العمال الكوردستاني سحب قواته من تركيا خطوة جديدة يمكن وصفها بالتاريخية في مسار عملية السلام التي بدائها رئيس الحركة القومية في تركيا دولت بهجلي وأصبحت فيما بعد مشروع متكامل يشرف على تنفيذ مساراته (أردوغان – بهجلي – أوجلان).
رمزية سحب خمسة وعشرون مقاتلاً من قوات (الكريلا) من كردستان تركيا ضمن سياق قرار عام بسحب جميع المقاتلين من تركيا تضاف إلى سلسلة قرارات جريئة وتاريخية أقدم عليها حزب العمال الكوردستاني إستجابة لنداء زعيمه المؤسس السيد عبد الله أوجلان ، بدائها بعقد مؤتمر استثنائي أتخذ فيه قرار حل الحزب واعلان نهاية حقبة الكفاح المسلح والانتقال إلى العمل السياسي بشكل أو بآخر.
طبعاً لنجاح هذه العملية لابد من توفر رغبة وإرادة مشتركة من الطرفين ، وهذا ما لا يتوفر حتى اللحظة من جانب الدولة التركية التي تهدف من هذه العملية إلى الوصول ( لتركيا بدون إرهاب) ، دون تقديم رؤية أو حل شامل للقضية الكوردية أو حتى طرح ورقة للنقاش والحل ، حيث جل ما قدمته الدولة حتى الآن ، هو كلام وتصريحات جميلة ورومانسية عن الإخوة الكوردية – العربية – التركية، فضلاً عن الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين الكورد ، ربما تتكلل بتفعيل حق الأمل وإطلاق سراح السيد أوجلان.
هذا الإنسحاب وقبلها القرارات التاريخية التي أقدم عليها العمال الكوردستاني فرض بها على تركيا (أردوغان – بهجلي) ، أن تكون أكثر جديةً في تقديم بعض ما تعتبره تنازلات للكورد ، ليس لأنها مقتنعة أو أنها (أي الدولة التركية) لن تنقلب على وعودها وإلتزاماتها في مسار عملية السلام بمجرد توفر أجواء أو مناخات تتيح لها هذا الإنقلاب ، ولكن لأن الدولة العميقة في تركيا والتي يمثلها تيار الحركة القومية بزعامة بهجلي يدرك أن تغييرات كبيرة مقبلة عليها المنطقة تقودها إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بعد عملية السابع من أكتوبر التي نفذتها حركة حماس في العمق الإسرائيلي، حيث يعتقد أن تفضي في بعض فصولها إلى إسقاط إتفاقية سايكس – بيكو واحداث تغيير لخرائطها وحدودها المرسومة ، وهذا ما يستشف من تصريحات بهجلي وغيره من القيادات والسياسيين الاتراك الفاعلين بأن الحلقة الأخيرة أو المباراة النهائية لهذه الحرب الإسرائيلية في المنطقة ستكون في تركيا ، لذلك تسعى الدولة التركية إلى استمالة أكرادها والتحكم بهم (وفق منظورها) عن طريق زعيم العمال الكوردستاني السيد عبد الله أوجلان ، هذا بالإضافة إلى وجود بعد داخلي آخر مرتبط بمستقبل الرئيس التركي أردوغان وتحالفه الحاكم الذي يسعى إلى الاستمرار في حكم تركيا ، حيث تشير معظم الاستطلاعات ونتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة إلى احتمالية فوز حزب المعارضة الرئيسي ومرشحه المعتقل أكرم أمام أوغلو برئاسة تركيا ، ولهذا يلهث أردوغان لتوسيع تحالفه بضم الحزب الكوردي إليه، أو على الأقل كسب عدم وقوفه إلى جانب المعارضة في الحرب التي يشنها أردوغان على حزب الشعب الجمهوري ومنع اصطفافهم إلى جانبه في أية إنتخابات أو تغييرات دستورية مقبلة .
بينما في الإتجاه الآخر فإن خطوات الطرف الكوردي متسارعة وضمن سياق يفهم منها جدية وحماس كبيرين لإنجاح العملية وذلك من خلال تنفيذ الالتزامات المترتبة على عاتق حزب العمال الكوردستاني وحزب المساواة والديمقراطية للشعوب (دم بارتي) ، اللذان يهدفان في النهاية للوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الكوردية في كوردستان تركيا ، بغض النظر عن هدف الدولة وعدم جديتها إلا أن هذه الخطوات التي يقدم عليها حزب العمال الكوردستاني تهييء الأجواء والمناخات لبدء فصل جديد من النضال والانتقال كلياً من جبهة الحرب والسلاح والعسكرة والدماء إلى جبهة النضال السياسي السلمي الحضاري، ونقل القضية الكوردية والنقاش حول حلها إلى البرلمان التركي وما تشكيل لجنة برلمانية موسعة لمتابعة تنفيذ مسارات عملية السلام إلا خطوة في هذا الإتجاه.
الكورد يبرهنون مرة أخرى أنهم مع السلام حتى لو لم يكن منصفاً بالنسبة لهم ، متى توفرت الحدود الدنيا من مقومات وأجواء تسمح لهم بالنضال بأشكال أخرى سلمية – مدنية .. يتخلون عن سلاحهم الذي رافقهم النضال لأكثر من أربعة عقود .
يحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم وعن قضيتهم العادلة ومستعدون للتخلي عنه بمجرد توفر شروط العمل والنضال السياسي ، ومهما كانت مآلات مسارات السلام في تركيا فإن الخطوات التاريخية التي أقدم عليها حزب العمال الكوردستاني تصب في مصلحة القضية الكوردية في كوردستان تركيا بشكل خاص وتخدم مسارات حل القضية الكوردية في الأجزاء الأخرى من كوردستان.