ترامب الابن في الرياض وسوريا بين الإعمار والمساومة

د. محمود عباس

لقاء أحمد الشرع وترامب الابن (دونالد جون ترامب) بحضور محمد بن سلمان (في جلسة سرية) يرسم ملامح تحالف اقتصادي جديد لسوريا ما بعد الحرب

أثناء الجلسة الاستثمارية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في مدينة الرياض بتاريخ اليوم 29/10/2025م، برز مشهد رمزي عميق الدلالة.

دونالد ترامب الابن، (جون ترامب) رئيس منظمة ترامب العالمية للعقارات والاستثمارات، يجلس إلى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في حضور وفود اقتصادية من الولايات المتحدة ودول عربية عدة.

في هذا المشهد، تتضح معالم البوصلة الجديدة للسياسة الأمريكية، اقتصاد لا مبدأ له إلا الربح، واستثمار لا ولاء فيه إلا للصفقة.

فالاهتمام الأمريكي بسوريا، كما يبدو من هذه الجلسة، لم يعد شأنًا سياسيًا أو استراتيجيًا خالصًا، بل تحوّل إلى مضمار استثمار عائلي تديره مصالح ترامب وشركاؤه، وعلى رأسهم صهره جاريد كوشنر، الذين لا يفرّقون بين الدولة والمؤسسة التجارية.

إنها الجدلية ذاتها التي طبعت علاقة ترامب الأب بتركيا خلال ولايته الأولى، حين غلبت المصالح الشخصية على التوازنات الإستراتيجية لحلف الناتو.

فالمصالح التي ربطت بين عائلتي ترامب وأردوغان، عبر الصهرين كوشنر وبيرات بيرقدار، أفرزت ميلًا أمريكيًا غير مبرر لصالح أنقرة، سمح لتركيا يومها باجتياح غربي كوردستان ما بين كري سبي (تل أبيض) وسري كانيه (رأس العين)، وسط صمتٍ أمريكي فاضح، وتواطؤ روسي موازٍ في احتلال عفرين.

هكذا تحوّلت الجغرافيا الكوردية إلى حقل تجارب بين صفقة وصفقة، تُباع فيها المواقف بثمنٍ بخس، ويُشترى فيها الصمت الدولي بصفقات عقارية واستثمارية تحت غطاء “الإعمار”.

ولا يُستبعد أن يجد دونالد ترامب الأب نفسه لاحقًا أمام مساءلات قضائية تتعلّق باستغلال منصبه الرئاسي لتوسيع نطاق منظمة عائلته عالميًا، كما حدث مع (هانتر بايدن) في ملف أوكرانيا، وإنْ باختلاف الشكل والأسلوب.

لكن جوهر المسألة واحد.

حين تختلط السلطة بالصفقة، والسياسة بالسمسرة، يتحوّل العالم إلى سوقٍ مفتوح، وتُختزل القضايا العادلة، كالقضية الكوردية أو إعادة بناء سوريا، إلى أوراق تفاوضية في مزاد العائلات الحاكمة والمستثمرة.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الدور المحوري لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي بدا اليوم عرّاب هذه العلاقة الجدلية بين واشنطن والرياض ودمشق الجديدة.

إننا نأمل أن يكون دوره امتدادًا لمشروع بناء سوريا ديمقراطية تعددية تُنهي الاستبداد ولا تُعيد إنتاجه، وأن تكون رؤيته الاستثمارية بابًا للإعمار الحقيقي لا للابتزاز الاقتصادي، وأن يقف في وجه مشروع تركيا وقطر الساعي إلى إنتاج سوريا تكفيرية استبدادية تُعيد البلاد إلى عصور الفتنة والظلام.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

29/10/2025م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…