زاكروس عثمان
جرت أحاديث عن قيام السلطات التركية بترتيب اتصال عبر الفيديو بين الزعيم الكوردي الأسير لديها، عبد الله أوجلان، وبين قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد). وتفيد الأنباء أن أوجلان، القائد التاريخي لحزب العمال الكوردستاني (PKK) المنحل، طلب من هؤلاء القادة أن يحذوا حذو حزب PKK بإلقاء السلاح دون مقابل، والرضوخ لتركيا دون قيد أو شرط.
ورغم عدم التأكد من صحة الخبر، فإنه يثير جملة من التساؤلات، منها: ماذا لو وجّه أوجلان بالفعل نداءً بهذا الخصوص إلى قيادة قسد؟ هل تتجاهل ندائه بوصفه رمزًا فكريًا وسياسيًا لحركات كوردية عديدة، أم ترضخ لمشيئته؟ وهل من الحكمة أن تُلقي قسد بسلاحها دون مقابل ملموس، حتى لو جاء النداء من أوجلان نفسه؟
هناك نقاط مهمة، لا أظن أن قيادة قسد غافلة عنها.
النقطة الأولى: حين وُضع أوجلان في المعتقل في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وفُرضت عليه حياة العزلة طيلة ستةٍ وعشرين عامًا، شهد العالم تبدلات كبيرة وعميقة جعلت العقد الأخير من القرن العشرين مختلفًا جذريًا عن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. غير أن ظروف الاعتقال لم تسمح لأوجلان بمتابعة تلك التغيرات عن كثب، حتى إنه لم يطّلع بما فيه الكفاية على مستجدات مسيرة حركة التحرر الكوردستانية، إلا بما سمحت به السلطات التركية. ونتيجة لذلك، بقي تفكير أوجلان محصورًا في عالم تسعينيات القرن العشرين، أما عالم القرن الحادي والعشرين فلم يعرفه إلا من خلال الرواية التركية.
لذا، غابت عنه الجوانب العميقة للأحداث والمتغيرات ذات الصلة بالقضية الكوردستانية. ولا يوجد عاقل يصدق أن تركيا قدّمت له حقائق الأمور كما هي. وليس غريبًا أن يزن أوجلان الأحداث بميزان الحقبة التي سبقت اعتقاله، فلا يدرك مقدار اختلاف ظروف حركة التحرر الكوردستانية اليوم عن الأمس، حيث تحولت القضية الكوردستانية إلى قضية دولية تحظى باهتمام صُنّاع القرار العالميين، إلى جانب تعاطف واسع من الشعوب مع الأمة الكوردية.
لقد انقلبت التوازنات في الدول المحتلة لكوردستان (تركيا، سوريا، العراق، وإيران)، وتشابكت العلاقات الإقليمية أكثر من أي وقت مضى. لكن يبدو أن أوجلان ما زال ينظر إلى “الأشبال” الذين تربّوا في عرينه على أنهم ما زالوا أشبالًا، دون أن يدرك أنهم في كوردستان روجآفا باتوا أسودًا ترتعد منهم دول الاحتلال. ولن نبالغ إذا قلنا إن حجم قسد العسكري في العدة والعتاد يعادل حجم جيوش بعض دول المنطقة، بل ربما يتفوق على بعضها.
النقطة الثانية التي لا تغيب أيضًا عن ذهن قيادة قسد/مسد، هي أن قيادات حركات التحرر داخل السجون والمعتقلات تتعرض لسلسلةٍ من الانتهاكات الممنهجة، بهدف كسر إرادتهم وإجبارهم على التراجع عن مواقفهم، من خلال التعذيب الجسدي والضغط النفسي والعزل الانفرادي والتهديد بالقتل، وهي أدوات تُستخدم لإضعافهم والنيل من ثباتهم المعنوي.
وفي ظل هذه الظروف القاسية، تُمارَس ضغوط مكثفة تدفع بعض القادة، تحت وطأة الإكراه والتعذيب، إلى الإدلاء بتصريحات أو اتخاذ مواقف لا تعبّر عن قناعاتهم الحقيقية، بل تملى عليهم من الجهات التي تحتجزهم.
هذه الممارسات تكشف عن محاولات منهجية لتشويه رموز النضال وتقويض روح المقاومة لدى الشعوب الساعية إلى الحرية.
لذلك، ليس على قادة قسد، أو حتى قادة قنديل، الاستماع إلى أوجلان إذا طلب منهم تقديم تنازلات غير مقبولة لتركيا أو لسلطة الإرهاب في دمشق، لأن الأرجح أنه يتحدث مكرهًا بما يمليه عليه الأتراك، ولا يوجد ما يضمن أنه يتحدث عن قناعة طالما هو في قبضتهم.
وعلى قادة قسد أن يدركوا جيدًا أن أوجلان لا يزال أسيرًا لدى السلطات التركية، ومن المرجح أنه يتعرض لضغوط وتهديدات مستمرة تهدف إلى إجباره على الإدلاء بتصريحات تتسم بالانهزامية أو الاستسلام، أو إرسال رسائل تدعو للرضوخ لتركيا دون قيد أو شرط.
المطلوب في هذه الحالة من جميع القوى الكوردية أن تتعامل بحذرٍ شديد ووعيٍ كامل مع ما يصدر عن أوجلان أو يُنسب إليه، إدراكًا لحقيقة ظروف أسره والضغوط الممارسة عليه، التي قد تجبره على اتخاذ مواقف لا يرغب بها.
إن سياسة التنازلات المجانية لا تعبّر عن “الروح الأوجلانية” التي تقوم على الاعتماد على الذات والمقاومة، لا على الاستسلام دون مقابل. وليس من المنطق أن يطلب أوجلان من قائد قسد، الجنرال مظلوم عبدي ورفاقه، إلقاء السلاح، في حين أن قواتهم في أفضل حالاتها.
إن اتخاذ أي خطوة أحادية الجانب ـ كإلقاء السلاح ـ دون ضمانات دولية أو اتفاق سياسي واضح، سيُضعف الحركة الكوردية، ويفقد قسد أوراق ضغطها، مما يضر بموقفها التفاوضي. فقوات قسد هي الضامن الوحيد للأمن في مناطق شمال وشرق سوريا (روجآفا)، وإن التخلي عن السلاح دون اتفاق شامل يعني ترك فراغ أمني ستملؤه الفصائل الإرهابية التابعة لتركيا، سواء تنظيم داعش أو الفصائل الموالية لحكومة الإرهاب في دمشق.
إن تخلّي قادة قسد/مسد عن سلاحهم ومطالبهم السياسية سيؤدي إلى انعدام أداة الحماية العسكرية والأمنية لسكان المنطقة، وإلى انهيار الإدارة الذاتية السياسية والمدنية، ما ينتج عنه فراغ أمني كبير يعرض السكان ولا سيما الكورد، لخطر الإبادة الجماعية كما حدث للعلويين في الساحل والدروز في السويداء.
لذلك، على القادة أن يأخذوا العبرة من تجربة حزب PKK الذي ألقى سلاحه دون جدوى، إذ لم تُبدِ تركيا أي استعداد حقيقي لعقد اتفاق سلام من أجل حل قضية كوردستان الشمالية (باكور). حتى إن أنقرة امتنعت عن إظهار حسن النية بالإفراج عن أوجلان، ولسان حال حكامها يقول: “الحل الوحيد هو إلقاء السلاح وذوبان الشعب الكوردي في البوتقة التركية”.
وتعمل أنقرة اليوم على تكرار هذه الخطة الإمحائية في كوردستان روجآفا، إذ تضغط على أوجلان ليضغط بدوره على قادة قسد/مسد للتخلي عن السلاح والخضوع لحكومة الإرهاب في دمشق الموالية لتركيا و إلغاء مسألة روجآفا.
الخلاصة: تبعًا لتدخل تركيا السافر في الأزمة السورية، فإنها تمتلك وكلاء سوريين كثر، سواء من التنظيمات العسكرية أو السياسية، وعلى رأسها حكومة دمشق الإرهابية بزعامة أبو محمد الجولاني.
بكلام آخر، ترى أنقرة أن دمشق ولاية عثمانية تتبع لها، وعليها التقيد بالسياسة التركية، خصوصًا حيال القضية الكوردستانية. وبالتالي، فإن الجولاني يسير على نهج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يطالب حزب PKK بإلقاء السلاح وحل نفسه دون مقابل، لإنكار قضية كوردستان باكور.
وبالمنطق نفسه، يطالب الجولاني بحلّ قسد وإلغاء الإدارة الذاتية والتخلي عن مطلب الفيدرالية، أي شطب قضية روجآفا.
نفهم من ذلك أن من يطالب بحل قوات قسد وإلغاء الإدارة الذاتية في الظروف الراهنة، إنما يدفع بالكورد نحو الانتحار الجماعي.
الترك يحاولون بكل الوسائل ربط قسد باوجلان ،ليضفوا عليها طابع الإرهاب ، لعبة أردوغان معروفة ،هو وطورانييه يريدون القضاء على كل ماهو كوردي…ولتعلم اربيل هذا جيدا…