المفاجآت الأمريكية… وكوردستان التي تكتب فجرها الجديد

صلاح عمر

لم تعُد المفاجآت تُصاغ في الغرف المغلقة، بل تُقال اليوم من على المنابر الكبرى، بأصواتٍ لا تعرف الالتباس.
ها هو مارك سافايا، المبعوث الأمريكي إلى العراق، يقف أمام العالم ويقولها صريحةً من قلبه:
“والدي هو مسعود البارزاني!”

كلمة واحدة كانت كافية لتزلزل جدران الصمت، وتعيد تعريف التحالفات والرموز. لم تكن مجرد عبارة عاطفية، بل كانت اعترافًا سياسيًّا وأخلاقيًّا بأنّ مسعود البارزاني، بما يمثله من تاريخ نضاليٍّ وإنسانيٍّ، بات رمزًا يتجاوز حدود كوردستان ليُجسّد فكرة الحرية في أبهى معانيها.
لقد أصبح البارزاني مدرسةً في الكرامة، تُلهم حتى أولئك الذين وُلدوا بعيدًا عن جبال كوردستان أن يشعروا بأنهم منها، وأنها منهم.

وفي المشهد ذاته، يظهر جول ريبرن، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، ليقولها بلهجةٍ لا تقبل التأويل:
“أيّ حجرٍ يُرمى صوب الكورد فهو يجرحنا.”
كلماتٌ تختصر عقودًا من النضال والمعاناة، وتعلن أن الكرد لم يعودوا قضيةً منسية على الهامش، بل جزءًا من ضمير السياسة الدولية.

اليوم تغيّر كل شيء.
الكرد لم يعودوا أولئك الذين يُذكرون في بيانات الشفقة، بل صاروا شركاء في المعادلات الدولية، يُحسب لهم حساب في كل خطوةٍ تُرسم في الشرق الأوسط.
أمريكا، التي كانت تكتفي في الماضي بالحياد، باتت تتحدث بروحٍ كورديةٍ واضحة، فالنصف الأول من وزارتها الخارجية صار كرديَّ النَسَب، والنصف الآخر كرديَّ الموقف.

لقد وُلدت مرحلة جديدة — مرحلة تقول للعالم إنّ كوردستان ليست مجرد إقليمٍ فوق الجغرافيا، بل روحٌ تسكن ضمير الإنسان الحر.
هي قضية كرامةٍ وشعبٍ حمل السلاح لا ليغزو، بل ليحمي الحلم.
قضية لا تبحث عن صدقاتٍ سياسية، بل عن اعترافٍ بحقٍّ تاريخيٍّ في الحياة والحرية والمساواة.

على بغداد ودمشق وكذلك أنقرة وطهران أن تُدركا أن الزمن الذي كان يُدار فيه الملف الكردي بالإنكار قد انتهى.
من يتجاهل اليوم حقيقة كوردستان، كمن يتجاهل شروق الشمس.
ومن يراهن على تهميشها، إنما يزرع في قلبه بذرة هزيمته القادمة.

لقد دخل الصوت الكردي كل العواصم الكبرى.
من واشنطن إلى باريس، من برلين إلى لندن، صار اسم كوردستان يُلفظ لا كملفٍّ سياسي، بل كرمزٍ للعدالة الإنسانية.
لقد سمع العالم أخيرًا الصوت الذي حاول الطغاة خنقه لعقود، وها هو يعلو اليوم من فوق قمم الجبال إلى منابر الأمم المتحدة.

فلتعلموا —
أن هذا الصوت لن يخفت بعد الآن، لأنه خرج من قلب أمةٍ عانت طويلاً، لكنها لم تركع،
أمةٍ حملت السلاح لا لتقتل، بل لتحمي خبزها وأغنيتها وعلمها.
أمةٍ لا تعرف الاستسلام، لأنها ولدت من رحم الجبال، ومن صمتها تعلمت أن تصرخ بصوت الأرض:
“نحن باقون… ونحن قادمون… ونحن من يصنع فجر كوردستان الجديدة.”

هذا هو زمن الكرد،
زمنٌ لا يُكتب بالحبر، بل بدماء الشهداء وبنور الحلم.
زمنٌ تُصاغ فيه السياسة بلغة الكرامة،
وتُكتب فيه القرارات الكبرى بروحٍ بارزانيةٍ خالدة،
تقول للعالم أجمع:
“من أراد العدالة في الشرق، فليبدأ بالاعتراف بشعبٍ اسمه الكرد، وبأرضٍ اسمها كوردستان.”

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…