مسرور بارزاني: الكاريزما في اختبار الحوكمة

خوشناف سليمان

شهد إقليم كوردستان العراق خلال العقد الأخير تحولاً تنموياً لافتاً، تمثل في توسع مشاريع البنية التحتية وتحسين الخدمات العامة وازدياد المساحات الخضراء، مما أضفى عليه ملامح الدولة الحديثة وسط بيئة إقليمية مضطربة سياسياً واقتصادياً. غير أن هذا المشهد العمراني المشرق يخفي وراءه تحديات بنيوية عميقة، أبرزها الفساد وضعف الشفافية واستمرار تركّز النفوذ السياسي والعائلي داخل مؤسسات الحكم، ما يجعل أي إنجاز عرضة للتراجع ما لم يصاحبه إصلاح مؤسسي شامل يعزز الحوكمة والمساءلة. وفي هذا السياق، تبرز تجربة رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني بوصفها نموذجاً معقداً يجمع بين الرمز السياسي التاريخي والنهج الإداري الحديث، بما يجعل تقييمها يتجاوز الأداء الحكومي إلى تحليل التحول في نمط القيادة والإدارة داخل الإقليم الكردي.

يُعد مسرور بارزاني اليوم أحد أبرز الشخصيات السياسية في كوردستان المعاصرة، جامعاً بين الإرث التاريخي للعائلة البارزانية والانخراط العملي في إدارة السلطة والتنمية. فحفيد الزعيم الكوردي التاريخي مصطفى البارزاني، ونجل الرئيس مسعود البارزاني، يجسد مزيجاً من الرمزية السياسية والثقل الاجتماعي، ما جعله محوراً رئيساً في معادلة الحكم في الإقليم. ومع ذلك، فإن قراءة تجربته تتطلب توازناً بين الإشادة بالمنجزات العمرانية والاقتصادية وبين النقد الواعي لمظاهر الفساد والمحسوبية وضعف الرقابة المؤسسية.

منذ توليه رئاسة حكومة كوردستان عام 2019، أطلق بارزاني مرحلة جديدة من التحديث تمثلت في مشاريع عمرانية كبرى مثل توسعة أوتوستراد أربيل – السليمانية وربط المدن الرئيسة بشبكات نقل حديثة، إلى جانب تطوير الخدمات العامة وتوسيع مشاريع التشجير والزراعة الحضرية التي أعادت تشكيل المشهد العمراني ومنحت المدن الكردية طابعاً حضرياً متجدداً. وفي خطوة إستراتيجية مهمة، أطلقت حكومة الإقليم مشروع “حزام أربيل الأخضر” في محافظة أربيل، كجزء من المخطط العام للمحافظة، حيث سيتم تنفيذه بشكل دائري حول المدينة على امتداد شارع 150 متر، بعمق 2 كيلومتر، ويشمل زراعة حوالي 7 ملايين شجرة من الزيتون والفستق، مع توفير عشرة أحواض مياه لدعم نمو الأشجار. ومن المتوقع أن يسهم المشروع بشكل كبير في تحسين البيئة وجودة حياة السكان.

كما أولت حكومته اهتماماً بقطاع المياه عبر إنشاء السدود ومحطات التنقية وتوسيع شبكات الإمداد، في محاولة لتأمين مصادر مائية مستدامة وتقليل الهدر. ومع ذلك، ما تزال البيروقراطية والفساد الإداري يحدان من كفاءة هذه الجهود ويؤكدان الحاجة إلى إصلاح مؤسسي أعمق.

اقتصادياً، استفاد الإقليم من تحسن نسبي في عائدات النفط وتطوير إدارة الجباية والمنافذ التجارية، مما انعكس على بعض مؤشرات النمو وزيادة الإيرادات العامة. غير أن غياب الشفافية في إدارة الموارد وضعف الرقابة البرلمانية جعلا بعض الإنجازات موضع جدل، خصوصاً مع استمرار المحسوبية في توزيع العقود وغياب المهنية في بعض القطاعات، رغم إطلاق مشاريع استراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة والصناعة والسياحة. وتزداد هذه التحديات تعقيداً بالنظر إلى الموقع الجغرافي والسياسي للإقليم الذي يفتقر إلى السيادة الاقتصادية الكاملة ويعتمد على بغداد ودول الجوار، ولا سيما تركيا، في تصدير موارده النفطية. ورغم هذه القيود، نجحت حكومة الإقليم في الحفاظ على قدر من الاستقرار والتنمية، ما يعكس قدرة رئيس الحكومة مسرور بارزاني على إدارة التوازن بين الواقعية السياسية والطموح التنموي.

على الصعيد السياسي، يتمتع مسرور بارزاني بكاريزما قيادية واضحة مكّنته من تقديم نفسه كرجل دولة يحمل رؤية تحديثية تقوم على الانضباط والفعالية، وهو ما أكسبه شعبية بين الباحثين عن الاستقرار، لكنه في الوقت ذاته أثار مخاوف من أن تتحول هذه الكاريزما إلى أداة لترسيخ نمط حكم شخصي في ظل هشاشة البنية المؤسسية. ومع ذلك، فإن خطابه القائم على التسامح واحترام التعددية يعكس التزاماً بالقيم المدنية المتجذرة في الثقافة الكردية والعائلة البارزانية، وقد ظهر ذلك في مبادرات لترميم الكنائس والمعابد وتعزيز ثقافة التعايش، مما منح مشروعه التنموي بعداً إنسانياً واجتماعياً فريداً.

ومع كل ما تحقق، تبقى بنية السلطة في كوردستان التحدي الأكبر أمام أي إصلاح حقيقي. فاستمرار النفوذ الحزبي والعائلي يجعل الإصلاح المالي والإداري مهمة شاقة، ويقوض جهود بناء مؤسسات حديثة قائمة على الكفاءة والمساءلة. ومع أن حكومة بارزاني نجحت في الحفاظ على الأمن الداخلي وتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار، فإن الطريق نحو الحوكمة الرشيدة لا يزال يتطلب إرادة سياسية حقيقية تضع المصلحة العامة فوق الولاء الحزبي.

تجربة مسرور بارزاني تعكس ثنائية أساسية بين الطموح الحداثي والسقف التقليدي للسلطة، ويظل التحدي الأكبر تحويل السلطة إلى مسؤولية والتنمية إلى منظومة مؤسساتية مستدامة تتجاوز الأفراد نحو دولة المؤسسات. فالتاريخ لا يخلّد المشاريع فحسب، بل القادة الذين يجعلون منها طريقاً إلى العدالة والاستدامة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…