حديثٌ في الخبرة و الثقة 

فاضل ميراني

في الحياة الاعتيادية و كذلك في العمل، الخبرة و الثقة كلاهما يحضران ويغيبان، حضور مطلوب و موجِب وغياب مسبب وربما لا.

لا ينفصل الرابط بينهما، و لا يصح ان ينفصلا، فكلهما يعنيان إكمال احدهما للاخر، وكلاهما لا ينطبقان الا على من استوفى شرط الاهلية، انسانا ام شخصا اعتباريا، في السلوك و الخدمة و المُنتَج.

قانونيا هو ما يقدمه صاحب اهلية الاداء لامثالهم و لاصحاب اهلية الوجوب، والفرق بين الاهليتين ان الاولى ترتبط بالعقل و التمييز و القدرة على اداء الواجبات، اما اهلية الوجب فهي اهلية اكتساب الحقوق.

طبيعة المجتمعات و تراكمات فهمها للحياة هي التي تفرز تلاحما بين الخبرة و الثقة او تفصلانهما عن بعضهما، وكلما زاد الفصل شاهدت الخراب و ربما نالك منه سوء.

الثقة و الخبرة تبدأ من البيت، من قدوة الاسرة، فلا الثقة تُخان و الخبرة منعدمة، ثم المعلم والطبيب، واختصارا كل ما يقدم من مسؤول لمن هم في مسؤوليته، والمسؤولية اعم من مفهوم حصرها بنمطية المنصب الرسمي، لكنها في مفاصل الحكم، انشاءََ و اجراءََ فلا فصل بينهما بسبب حيوية الارتباط، فالوزير لا يصح ان يكون موضع ثقة دون خبرة، والعكس لا يصح ايضا، ذلك ان فصل احادية الامر يخلق اول ما يخلق شكوكا، فالذي لا يحمل الا الثقة فمكانته محفوظة الاّ ان يسلط على قرار لا خبرة له فيه، وصاحب الخبرة قد يتعرض لحيف ان تم استباقه بلا جريرة تثبت عدم اهليته لمنح الثقة.

ثمة ظروف تفرض منح الثقة، سيما في العلاقة بين الطبيب و المريض، حيث تحكم الطبيب علاقة التزام يطلق عليها قانونا( التزام بعناية) وتعني بذل كل جهد لنجاح العلاج، اما علاقة الغاية قانونا، فالوصول لنتيجة الاتفاق، مثل العلاقة الالتزامية بين البائع و المباع له و المبيع.

ضياع جهد

بأستثناء الافراد و المؤوسسات التي تمارس و يمارسون اعمالا تخل بالثقة عمدا او جهلا، ولا يدركون حجم خسارتهم و الاخرين لضياع الثقة، لا يصح في الجهاز الكبير( السلطة) ان تتعمد ضياع جهدها بأستبعاد صاحب خبرة لصالح صاحب ثقة مفتقد للخبرة، والخسارة في هذا الفعل سريعة و واضحة، بل و ثمة توجه مشؤوم في الشرق يوسع من غطاء الثقة ليملي به فراغ الخبرة، و في ذلك تم تشويه فكرة الحصص في تقاسم المواقع في السلطة.

فقد حصل و تم دفع اسماء لشغل مواقع شرطها الاساس الخبرة، الخبرة الموثقة بإجازات علمية و عملية، فكان ان خسر المجتمع ثروات و مكاسب، و غطت المحسوبية خلالها و بعدها عن المحاسبة.

اهل الخبرة هم اهل ثقة، الا الذي اختار منهم ان يحرف سلوكه، وفي القانون فبراءة الذمة مفترضة ما لم يثبت العكس، و الجريمة هي كل مجّرَّم بنص.

الحقيقة اذا ان الفصل ان تم بين الخبرة و الثقة- و هذا لا يصح- فالخبرة مقدمة على الثقة، اذ لا اتفاق مكتوب لمعايير الثقة يتقيد بها الفرد، اما الخبرات فمعاييرها علمية و متاحة.الدولة كائن حي، و التفكير بمستقبل افضل لها يتحتم علمية التفكير، والعلم خبرة بعد فهم و تعمق و تخصص.

من الخطأ التسليم بمقولة ان الخبرة هي نتاج القرارات الخاطئة، فمجالات التجريب للتعلم ليس مستندة على المقامرة بمصير الفاعل، و الاخرون ليسوا حقل تجارب، اما الثقة فهي سلوك تنمية و تبادل اجتماعي ضمن دائرة خطوط بين الافراد، تأتي من وضوح و نقاء غير مصطنعين، وتجتنب الريبة القائمة على الوهم و الجهل او التعمد، اما الفطنة فمطلب مستمر.

□ مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي

للحزب الديمقراطي الكوردستاني.

=========

الزمان

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…