خالد بهلوي
فقدان الثقة بين أفراد الشعب السوري هو نتيجة تراكمات بدأت منذ اندلاع الأحداث عام 2011، حين انقسم المجتمع إلى تيارات أدّى ذلك إلى خلق حالة من انعدام الثقة، خصوصًا خلال مرحلة الانقسام بين موالاة ومعارضة، التي رسّخت نظرة عداوة مبطنه متبادلة بين مختلف المكوّنات.
كثير من السوريين فقدوا القدرة على التمييز نتيجة الخوف من “الطرف الآخر”، وأصبح هذا الخوف جزءًا من ثقافة المجتمع.
وقد تفاقم ذلك بسبب همجية ووحشية الأجهزة الأمنية قبل الحرب، من خلال زيادة الرقابة على أي حديث أو تعبير عن رأي، نتيجة التحريض وزرع الحقد والكراهية تجاه الآخر خوفًا من الاعتقال التعسفي.مما أدّى إلى فقدان الثقة حتى داخل العائلة أو بين الأصدقاء،
مع ازدياد الفقر وانهيار الوضع المعيشي وغلاء الأسعار وغياب الاستقرار، أصبح الكثيرون يعيشون وفق مبدأ “أنا ومن بعدي الطوفان“، وهي عقلية عزّزت الأنانية والتفكير الذاتي بدلًا من التعاون الجماعي.
وانتشر الفساد والواسطة والمحسوبية بشكل فاضح، مما زاد الشعور بالظلم وانعدام العدالة. ناهيك عن تشتّت ملايين السوريين داخل البلاد وخارجها، الأمر الذي أضعف الروابط الاجتماعية الطبيعية مثل روابط الجيرة والعائلة والعمل
ما زاد المسافة بين السوريين أنفسهم. استخدام كل طرف من أطراف النزاع الإعلام لترويج روايته الخاصة، ما أدى إلى تشويه الصورة بين أبناء الشعب. وأصبح الناس يثقون بمصادر مختلفة ومتناقضة، فنتج عن ذلك عالم من “الحقائق المتعددة” لا يجتمع فيه الناس على قصة واحدة، وكل طرف يدّعي أحقيته وملكيته للحق.
بعد انهيار سلطة النظام، لم تحدث حتى الآن عملية حقيقية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم اليومية من قتل وخطف ونهب وسرقة، ولم تتحقق مصالحة أو تسامح حقيقي بين المكونات.
إن غياب العدالة والقانون والحكم الرشيد، وعدم محاسبة مرتكبي الجرائم أو إنصاف الضحايا وأُسرهم والاعتراف بالأخطاء المتبادلة، يجعل من الصعب عودة الثقة بسهولة، أو بناء مجتمع يحقق الحرية والكرامة للجميع.
الثقة لا تُفقد بين يوم وليلة، وكذلك لا تُستعاد بسرعة، لكنها يمكن أن تُبنى مجددًا من خلال:حوارات صادقة بين الأفراد بعيدًا عن الانتماءات الطائفية والمذهبية والدينية.تطبيق العدالة الانتقالية دعم المبادرات المدنية التي توحّد السوريين ولا تفرّقهم.
استعادة الثقة بين أفراد الشعب السوري ممكنة، لكنها تحتاج إلى وقت وجهد وصدق في التعامل من الجميع، أفرادًا وجماعات. فكثير من الخلافات بين السوريين مصدرها سوء الفهم والسياسات الإعلامية التي زرعت الحقد والكراهية وحرّفت الحقائق وخلقت أعداء وهميين، كانوا حتى الأمس القريب حلفاء ومخلصين في بناء الوطن. أصبح الحكم على الآخرين يتم من خلال “الحكم على الكتاب من عنوانه
من الطبيعي أن يختلف السوريون في آرائهم، لكن من غير الطبيعي أن يتحوّل هذا الاختلاف إلى كراهية وحقد وثأر وقتل طائفي أو مذهبي. من الصواب تقبّل الآخر المختلف بالحوار والمشاركة الفعلية، دون اعتباره “عدوًا”.
يقوم الكثير وينشرون تزييفا متعمدا للوقائع وتضليلا للراي العام بنشر الروايات الكاذبة التي لا تخدم سوى اجندات لها مصلحة بزرع الفتنة وتشويه الحقائق.
من الحكمة عدم تصديق كل ما يُقال في الإعلام أو على شبكات التواصل الاجتماعي قبل التحقق من المعلومات ومصادرها ووثوقيه المعلومة من اكثر من مصدر بهذا فقط يمكن كسر جدار الأكاذيب والاتهامات.
لا يمكن بناء الثقة قبل الاعتراف بما حدث، ومحاسبة جميع الأطراف، وفتح باب العدالة، ومحاسبة مرتكبي الجرائم أيًّا كانوا، مع إعادة الاعتبار والتعويض لجميع الضحايا. فهذه الخطوة ضرورية لتحقيق مصالحة حقيقية، لا شكلية. فالتعاون والعمل المشترك يخلقان روابط حقيقية أقوى من الشعارات البراقة المزيّفة.
ومهما اختلف السوريون، فإن ما يجمعهم أكثر مما يفرّقهم: حب الوطن، والكرامة، والحرية، والعدالة. وهذه القيم، إن تحققت بصدق، يمكن أن توحّدهم من جديد.
الثقة لا تُمنح، بل تُبنى خطوة بخطوة. كل كلمة صادقة، وكل تصرف سليم، وكل مبادرة صغيرة تساهم في إعادة بناء الثقة. كما أن كل قرار وتشريع يمنح المكوّنات والأقليات، وخاصة القومية الكردية كثاني أكبر قومية في البلاد، حقوقها ومشاركتها الفعلية في إدارة مؤسسات الدولة على كل المستويات، يُعدّ ركيزة أساسية لتحقيق العدالة والمساواة والمواطنة الحقيقية ويحقق الوحدة الوطنية المنشودة .