السيد نيجيرفان البارزاني في أنقرة وقرار فتح مطار السليمانية: قراءة تحليلية لمعايير المصالح والتوترات

ماهين شيخاني

مقدمة:

في خطوة مفاجئة وإيجابية بين الأزمات والتوترات، أعلنت الرئاسة التركية رفع الحظر على الرحلات الجوية من وإلى مطار السليمانية الدولي بعد نحو عامين من إغلاقه، إثر قرار اتخذته أنقرة في أبريل 2023 بحجة أنشطة حزب العمال الكوردستاني (PKK) في المنطقة مما يُهدد سلامة الطيران.

قرار رفع الحظر جاء في أعقاب زيارة السيد نيجيرفان البارزاني، رئيس إقليم كوردستان العراق، إلى أنقرة، حيث عقد اجتماعات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمسؤولين الأتراك تغطي ملفات أمنية، اقتصادية وسياسية.

 

في هذه المقالة، نبحث في أسباب هذه الزيارة، النقاط التي طُرحت على الطاولة، نقاط الخلاف المحتملة، وأهمية قرار فتح المطار وما يعنيه للكورد والإقليم وسوريا والمنطقة عموماً.

 

أولاً: دوافع زيارة السيد نيجيرفان إلى تركيا

حالة السلام / المصالحة مع PKK

أحد الدوافع المحورية هو التسوية الأمنية بين أنقرة وإقليم كوردستان بشأن حزب العمال الكوردستاني، الذي تستخدمه تركيا ذريعة لفرض الحظر على المطار.

في يوليو 2025، تم تنفيذ مراسم رمزية لتفكيك بعض المقاتلين الكرد في إطار مبادرة سلامية بين تركيا والإقليم.

هذه الخطوة تُعد علامة من علامات حسن النية من هولير ( أربيل )، تسعى بأن تكون القبول للحوار والتفاهم الحصول على تنازلات من أنقرة مثل رفع الحظر.

 

الأزمة المالية في الإقليم

وقف الرحلات الجوية والحظر على المطار شكل ضغطاً اقتصادياً حقيقياً على السليمانية، من حيث خسائر الشركات السياحية، صعوبة التنقل، والانقطاع مع الأسواق التي تستخدم تركيا كمركز عبور أو تجاري. رفع الحظر يعني استعادة جزء كبير من النشاط الاقتصادي

تعزيز العلاقات الثنائية مع تركيا

السيد نيجيرفان البارزاني يسعى لتقوية العلاقات السياسية والاقتصادية مع أنقرة، خاصة مع تزايد أهمية أنقرة إقليمياً من جهة، ومع الحاجة لهولير (أربيل) إلى منافذ حيوية للتصدير والتجارة. في الاجتماعات الأخيرة، أكّد الطرفان رغبتهما في “تعزيز الصداقة والعلاقات بناء على المصالح المتبادلة”، خاصة في مجالات الأمن والتجارة والمياه.

 

الضغوط الدولية والإقليمية

تركيا تسعى لتحسين صورتها الدولية والتخفيف من الانتقادات المتعلقة بالقمع أو العمليات العسكرية، ففتح المطار يُستخدم كإشارة سياسية للتعاون وللتحول من مرحلة الحظر إلى مرحلة الاتفاق والتنسيق. كذلك، هولير (أربيل) تحتاج إلى دعمٍ خارجي وداخلي لإظهار قدرتها على إدارة أمنها وتحقيق كفاءة في الإدارة.

 

ثانيًا: الملفات التي طُرحت على الطاولة

من المصادر الرسمية وتقارير الصحافة الميدانية، هذه أبرز الملفات:

فتح مطار السليمانية الدولي

الاتفاق على رفع الحظر وعودة الرحلات، مع تأكيد مطلبي من الجانب الكوردي أن يُضمن أن تكون سلامة الطيران محمية، وأن لا تُستخدم أنشطة عسكرية أو شبه أمنية كمبرر للحظر مرة أخرى.

القضايا الأمنية المتعلقة بالـ PKK

تركيا تصرّ على أن الإقليم يجب أن يتخذ خطوات واضحة لإبعاد وجود PKK من الأراضي القريبة من الحدود التركية وضمان ألا تُستخدم السليمانية كنقطة عبور أو تمويل للنشاط المسلح. هولير (أربيل) من جهتها تبدأ بتحريك الملف على المستوى الرمزي والسياسي، مع تأكيداتها بأنها لا تدعم أي نشاط مسلح ينطلق من أراضيها ضد دولةٍ شقيقة.

التعاون الاقتصادي والتجاري

التبادل التجاري بين إقليم كوردستان وتركيا، الاستثمارات، تسهيل المعابر، الطرق، وربما النقل الجوي والصناعات المشتركة. فتح المطار يعزز من فرص الربط المالي والتجاري بشكل مباشر.

الموارد الطبيعية والمياه

المياه بين تركيا والعراق والإقليم كانت محل خلاف متزايد مع التغيّر المناخي وجفاف الأنهار. البيان المشترك خلال الزيارة تطرّق إلى موضوع “إدارة الموارد المائية بشكل مستدام”، مما يدل على أن موضوع المياه أصبح من أولويات التعاون.

ثالثًا: نقاط الخلاف والمخاطر المحتملة

التحقق من الضمانات الأمنية

أنقرة قد تطالب بخطوات أمنية واضحة من هولير (أربيل)، مثل مراقبة وتحجيم نشاط PKK، وربما حتى تسليم بعض العناصر أو منع نشاطهم، وهو أمر حساس داخلياً في الإقليم. هناك مخاطرة أن يُستخدم الحضور الكوردي قيادياً للتخفيف من الانتقادات التركية، لكن دون تغييرات جوهرية.

 

الاستقلالية أمام الضغوط السياسية

فتح المطار يُعد مكسباً، لكنه أيضاً يُعرّض هولير (أربيل) لمخاطر سياسية لو جرى الربط بين هذا الفتح وتنازلات سياسية أكبر، كالامتثال الكامل لإرادة تركيا في ملفات الحدود أو الأمن، أو حتى في السياسة الخارجية.

إدارة اقتصادية وإدارية للمطار والرحلات

حتى بعد رفع الحظر، يجب أن تكون هناك بنية تحتية إدارية وقانونية واضحة لضمان استمرارية فتح المطار وعدم توقّفه من جديد بحجج “السلامة” أو “الأنشطة المسلحة”.

 

الموقف بغدادَوياً الداخلي والإقليمي

العلاقة بين هولير (أربيل) وبغداد دائماً حساسة؛ فتح مطار يُمكن أن يُنظر إليه من المركز كخطوة تؤثر على السيادة العراقية، مما يثير مقاومة أو مطالب بإشراف مركزي، أو شروط دستورية.

 

رابعاً: أهمية قرار فتح المطار وتأثيره

اقتصادياً: ينشط حركة السياحة، رجال الأعمال، الطلاب، العائلات، ويخفف من تكاليف العبور الجوي.

رمزياً وثقافياً: رفع الحظر هو اعتراف ضمني بأن الأزمة الأمنية والحجج التي استُخدمت في السابق لم تعد كافية لإبقاء المطار مغلقاً؛ هو إشارة إلى أن الحوار والتفاهم يمكن أن ينتجا نتائج ملموسة.

سياسياً داخلياً للكورد: يعزز موقع نيجيرفان البارزاني والإقليم كشريك لا مُهدَّد، ويُظهر أنه قادر على تحقيق تحسينات ملموسة لرفاه مواطنيه عبر الدبلوماسية والتوازن.

إقليمياً: يُمهد لتغييرات في نمط إدارة العلاقات التركية–الكردية، خاصة إذا رافق هذا الفتح خطوات أمنية سياسية واضحة نحو السلام مع PKK.

 

خاتمة

زيارة نيجيرفان البارزاني إلى أنقرة وقرار تركيا رفع الحظر عن مطار السليمانية يشكلان معاً مفترق طريق محتمل في العلاقات التركية – الكوردية – العراقية. فهي تُظهر أنّ الربط بين السياسة الأمنية والمصالح الاقتصادية يمكن أن يُنتج تفاهماً إذا ما توافر “العقل السياسي” الذي لا يخشى التفاوض أو المساءلة.

لكن هذا النجاح ليس مضموناً؛ فالأمر يعتمد على حقيقة الخطوات التي سيقوم بها الطرفان بعد الزيارات، خاصة هولير (أربيل)، في موضوع PKK وضمانات الطيران، وكذلك توازن العلاقات مع بغداد.

إذا ما جرى استثمار هذا التفاهم الجديد بنضج، قد يكون فتح المطار علامة فارقة في تغيير الواقع، ليس فقط للسليمانية، بل كنموذج يُلهم التعايش المشترك والتعاون البناء في كوردستان وسوريا والمنطقة ككل.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…