محاولة في تعريف الحركة الكردية السورية (ردا على اتهامات متعصبي الأحزاب لناقديهم برفض العمل السياسي)

صلاح بدرالدين

   السجال الدائر الآخذ بالاتساع منذ نحو عقد وأكثر بين النخب الكردية المتعلمة حول أزمة الحركة السياسية الكردية ، أسبابها ، وسبل معالجتها . ،يتطلب الان ومن اجل الوصول الى الحقيقة التصدي لمهمة  تعريف  الحركة القومية والوطنية الكردية  ، مصادر فكرها، مكوناتها الاجتماعية ، ووسائل تنظيمها ، وشروط ديمومتها ، ويتوقف على مدى نجاح المراجعة – التعريفية – هذه عبر النقاش الهادئ ، والحوار الحضاري البناء ، مستقبل الحركة ، واهليتها في انجاز المهام القومية والوطنية .

     أولا – في تعريف الحركة الكردية السورية

  هي تعبير عن مشاعر ، وطموحات شعب بأكمله ينشد الحرية ، محروم من الحقوق الأساسية ، في تقرير المصير السياسي ، والثقافي ، والاجتماعي ، والإداري ، وفي المدى الابعد الشراكة الحقيقية الدستورية والقانونية في السلطة والثروة مع شركاء الوطن السوري الآخرين من عرب ومكونات قومية وثقافية واجتماعية أخرى .

  هذه المشاعر والطموحات تشمل كل الطبقات ، والفئات ، والشرائح بالمجتمع الكردي السوري ، وذلك لايمنع من تفسيرات وأماني متنوعة لشكل وماهية الحقوق بحسب مصالح وتطلعات كل طبقة ، وفئة ، وجماعة ، وهذا يعكس التنوع الفكري والسياسي في مجتمعنا مثل المجتمعات الأخرى على المستوى الوطني السوري .

  في المراحل الأولى تجسدت الحركة الكردية السورية ( القومية او الوطنية ) في الدعوات – النخبوية المحدودة – العامة تحت عناوين الحرية ، والخلاص من المظالم ، والانشغال في تثبيت الهوية القومية عبر الأدوات الثقافية من مجلات ، وكتب ، وآداب ، وشعر ، تلتها مراحل البحث عن روابط اجتماعية للم الشمل والتعاون وتجسيد الهم المشترك ، وانتهت بتنظيم الطاقات في حلقات متماسكة ذات برامج سياسية موحدة ، وقيادات مركزية وفرعية متكاملة بإعلان التنظيم الحزبي الأول أواخر خمسينات القرن الماضي .

   ثانيا – مرحلة التنظيمات الحزبية

  لم تنشأ الأحزاب الكردية السورية في أجواء الحرية والديموقراطية ، كما هو الحال في البلدان الديموقراطية المتقدمة ، بهدف المشاركة في السلطة ، وكصلة وصل بين الجمهور الكردي والنظام القائم ، بل قامت من اجل رفض مخططات انكار الوجود الكردي ، والوقوف امامها ، وتوعية الجماهير ، وشرح احقية ومشروعية وجود الكرد وحقوقهم للشعب السوري والعالم ، وبعبارات أوضح ، لم تظهر الحركة السياسية الكردية للمشاركة في العملية السياسية الديموقراطية الجاهزة كما في بلدان الغرب ، بقدر ماكانت اقرب الى حركة تحرر قومي من حيث البرامج والمشاعر والتطلعات ، وظلت حتى بعد اكثر من ستين عاما على انبثاقها في ازدواجية وبنوع من الضبابية ( التحرر القومي – المشاركة الوطنية ) ، فقط في عملية تحول الخامس من آب  عام ١٩٦٥ اعيد تعريف الحزب ، والشعب ، والقضية ، والمهام القومية ، والاجتماعية ، والوطنية بصورة أوضح ،  ولكن بالرغم من هذا التطور العميق بقي الحزب الكردي السوري يفتقر الى شروط يجب توفرها في وجود حزب سياسي  حقيقي بحسب المواصفات المعمولة بها عالميا ، أي ديموقراطية التنظيم ، وقانونيته ، وانتخاب قياداته علنا ، ووضع الاستراتيجية ، والبرنامج السياسي ، ومنبثق من المجتمع ، ومتعاقد مع المجتمع ، مستقل غير خاضع للخارج ، طامح للوصول للسلطة .

  ثالثا – التنظيم الحزبي الكردي السوري في الحالة الراهنة

   للمرة الأولى في تاريخ  النضال الكردي السوري وبعد نحو قرن من بداياته  ، يحصل الفرز بين جانبين في الحركة القومية – الوطنية الكردية بمفهومها الواسع الذي يتخطى الطبقات الاجتماعية ، والتباينات الفئوية ، والمناطق ، والتيارات الفكرية والسياسية ، جانب الكتلة التاريخية من الوطنيين المستقلين كما اسلفنا أعلاه من جهة ، وبين الأحزاب الوظيفية التي نشات ، او استمرت ، واستقرت في طرفي – الاستعصاء – بالعقد الأخير تحديدا ،  في ظروف استثنائية خاضعة لعوامل خارجية متحركة ، على الصعيدين المادي والمعنوي  ، هذه الأخيرة وللمرة الأولى في تاريخ الكرد السوريين تبحث عن السلطة والحكم علنا ، ( قسد وجماعات ب ك ك عقدت اتفاقية مع السلطة الحاكمة ، ومستمرة في محاولاتها للشراكة ، والمجلس الوطني الكردي يقول انه مدعو للحوار مع دمشق للمشاركة في السلطة ) ، اما القاعدة الأساسية للحركة الكردية الاصيلة، المتجسدة بالكتلة التاريخية ، فترى ان شروط المشاركة الكردية في السلطة – ذاتيا وموضوعيا ، كرديا وسوريا – لم تكتمل بعد ، ومن الخطورة بمكان اخضاع الكرد السوريين بالوقت الراهن  ليصبحوا ضحايا تعقيدات الملفات الخارجية وخاصة ملف – ب ك ك – والمحاور الكردستانية الخارجية فانه نوع من الانتحار ، ، ومن المبكر حتى التفكير بذلك قبل إتمام تلك الشروط وفي مقدمتها انجاز عملية المراجعة  وتحقيق الاتحاد ، والتمثيل الشرعي للحركة ، وإقرار المشروع الكردي للسلام ، من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع الذي يفضل ان يعقد في العاصمة دمشق .

  من اجل ان يبقى الحوار في سياقه

  أقول لمتعصبي الأحزاب الذين لايرغبون في تغيير أوضاعهم الذاتية الخاصة ، ويكابرون في مسالة غض الطرف عن فشل العمل الحزبي الكردي الراهن ، ويسعون الى فتح معارك كلامية جانبية باتهام المعبرين عن إرادة الكتلة التاريخية بمعاداة العمل السياسي المنظم ، أقول لهؤلاء : تركيبة احزابكم ابعد ماتكون عن التنظيم الديموقراطي ، ثلاثة ارباعكم تشكيلات عسكريتارية ابوية سائرة في درب عبادة الفرد ، والبقية صنيعة المال السياسي لاحول لها ولادور ، ولن تستقيم الأمور الا بإعادة البناء التنظيمي والسياسي على أسس جديدة ، ديموقراطية ، شرعية ، مستقلة ، مدنية .

  كما أقول لكل من يعتبر العضوية الحزبية في المرحلة الراهنة مقياسا للوطنية والنضال ان يعيدو النظر في حكمهم الجائر الذي يتقطر جهلا وغباء  ، فهناك مئات الالاف من خيرة بنات وأبناء الكرد السوريين يلتزمون بقضايا شعبهم ووطنهم ، ويبدعون في اختصاصاتهم ، ويناضلون بدون صور وفيديوهات ،)  ومن دون – تفريغ – او انتظار الراتب والمكافآت  مثل مسؤولي الأحزاب الذين يبدو ان مجالات ( نضالاتهم – تقتصر على التعازي والافراح ، والزيارات المتبادلة ) .

  نحن امام قضية كبيرة ، وفي ظروف استثنائية ، وعلى عتبة مرحلة جديدة ، وبصورة ادق وجها لوجه امام تغييرات عميقة في الحالة الكردية الخاصة ، لذلك على الجميع الالتزام بقواعد الحوار الهادئ بعيدا عن التشنج ، والتعصب الحزبي والآيديولوجي ، نحن جميعا بامس الحاجة الى التفكير العقلاني ، والابتعاد عن عقلية الغاء المخالف .

  هناك الكثيرون يكتبون واحيانا تخونهم الذاكرة ، ويستخدمون عبارات قد تشتم منها روائح الكراهية ولكن فلنقبل بعضنا البعض ، ليس هناك عاقل يرفض العمل التنظيمي السياسي ، او يلغي النضال القومي والوطني ، ليس لنا الان وبالمستقبل الا التحاور ، والنقاش ، والنقد البناء للوصول الى الحقيقة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…